الاثنين، 10 أكتوبر 2022


 احتمالات : أنا ومديري ومعضلة السجين Prisoner’s Dilemma


مديرى يحب العمل جدا ، يسهر كلّ يوم في المكتب إلى ال١٠ مساءً. وإدارتي بها ٤ موظفين وأنا الخامس، وكلنا مستوانا العلمي متقارب جدًا. كانت الوسيلة الوحيدة لإرضاء المدير ومن ثم الترقي هي البقاء بعد مواعيد العمل الرسمية في العمل، و كلما سهرت كلما فزت برضا سعادته.


اقترب موعد الترقية، ولمعت أعيُن الزملاء، وتوقعت ما سيفعلونه، فقلت لهم تعالوا نتفق على ما سنفعله.. فسخروا مني وطالبوني بالابتعاد لأَنِّي “لم اكن اهتم بالعمل لأوقات متأخرة”.


وعدت إلى منزلي وأنا أعرف يقينًا ما سيفعلون، حيث سيحاول كل فرد أن يبدو متفوقًا على الآخر في الالتزام بالعمل ومحبته.


نعم، أعرف بفضل أشهر ألعاب نظرية الألعاب، وهي: معضلة السجين. و هي تفسر سبب عدم تعاون طرفين شديدي العقلانية، حتى لو كان التعاون في مصلحتهما.


دعونى أشرح هذه المعضلة لمن لا يعرفها:


سجينان (محمد وحسن) عُرض على كل طرف منهما الاعتراف على الآخر مقابل البراءة لمن يعترف أولًا. أما الثاني الذي لم يعترف فيحصل على عقوبة مشددة. في حالة اعتراف الطرفين في نفس الوقت على بعضهما، يحصلان على عقوبة متوسطة. في حال عدم اعتراف الاثنين يحصلان على عقوبة مخففة.


نلاحظ هنا أن أفضل اختيار بالنسبة للسجينين هو الاعتراف، مهما كان اختيار السجين الثاني (صمت أم اعتراف). فإذا صمت فستحصل على البراءة، وإذا اعترف ستحصل على عقوبة متوسطة.


والحقيقة أنّ الاختيار المثالي هو عدم اعتراف الطرفين فيحصلان على عقوبة مخففة، لكنهما لن يجرُؤا على اتخاذ هذا القرار لانعدام الثقة في الطرف الآخر الذي يحلم بالبراءة.


و بتطبيق ذلك على حالتنا، يتبين أن اختيار كل واحد من الموظفين -والذين أشهد لهم بالعقلانية الشديدة rationality- سيكون “السهر إلى الساعة العاشرة مع المدير” لأن اختيار أي ساعة أخرى قبل العاشرة يعطي الطرف الآخر فرصة للمزايدة على الآخر. أما السهر إلى ما بعد العاشرة فليس له قيمة لأنه يأتي بعد انصراف المدير نفسه.

و كما توقعت في اليوم التالي بقينا بعد ميعاد العمل جميعًا إلى الساعة العاشرة متساوين جميعا في عين المدير دون أي ميزة اكتسبناها نتيجة لقرارنا ( Nash Equilibrium ).


وكانت النتيجة أننا أجهدنا أنفسنا إلى الساعة العاشرة دون مكسب، ولو استمعوا إلى كلامي واتفقنا على عدم البقاء بعد ساعات العمل الرسمية وغادرنا في ميعادنا، كنّا وصلنا لنفس النتيجة، وأجبرنا المدير على اتباع وسيلة أخرى لتقييمنا.                                                                                                                                                                                                               دمتم طيبين والسلام.

0 التعليقات:

إرسال تعليق