السبت، 15 أكتوبر 2022


 مغالطة النجاة

 ينظر الكثير من شبابنا الى نماذج النجاح المبهرة من حولهم ، و يسعون الى احتذاء حذوها . و للاسف الشديد قصص النجاح هذه هي الاستثناء و لكن الاعم هو الفشل و ربما يكون هذا السيناريو هو الأكثر فشلا من السيناريوهات الاخرى التي يكمل فيه الفرد من تعليمه و يزيد عليه ان استطاع. الإحصاء تعلمنا ذلك.


و يعود نمط التفكير الخاطئ هذا الى سقوط الكثير من ابناءنا بل و منا ايضا ضحايا لما يعرف بمغالطة النجاة survivorship bias ، و التي تؤدي الى تشويه رؤيتنا للحقيقة لان ضحاياها يَرَوْن العالم فقط من خلال روايات الناجحين او الفائزين او الناجييين حيث لا نسمع أصوات الخاسرين ، و لا يعود الموتى ليحدثونا عن اسباب موتهم.


و تذكر لنا كتب التاريخ احد الأمثال الرائعة حول هذه المغالطة ، فخلال الحرب العالمية الثانية، أراد المهندسون العسكريون في الجيش الامريكي معرفة كيفية جعل طائراتهم القاذفة للقنابل أكثر أمانا من خلال اضافة دروع على هيكلها . ولم يكن من الممكن هندسيا اضافة الدروع في كل مكان لان هذا سيزيد من وزن الطائرة فضلا عن ارتفاع التكاليف . و لذلك كان عليهم تحديد الأماكن الأكثر عرضة لاصابة . فحص المهندسون الطائرات العائدة من ساحات القتال ، ورأوا أن اكتر الاماكن التي لحق بهل الضرر من اطلاق النار ع ثلاثة أماكن رئيسية هي: الأجنحة، و منطقة الذيل ، ومكان اخر بالجسم، و من ثم اقترحوا على قيادة الجيش تعزيز هذه الأماكن الثلاث بدروع اضافية.


ولحسن حظ الجيش الامريكي وهو المحظوظ دائما، كان يعمل لديه في وحدة الرياضيات التطبيقية عالم احصائي اسمه "إبراهم والد"، و هو يهودي نمساوي .و لقد اشار ابراهام ان هذه الطائرات قد نجت من اللاصابات اللتي لحقت بها مما يعكس أن الطائرة يمكنها تحمل تعرضها لاطلاق النار عدة مرات في الأجنحة والمنطقة الخلفية و المكان الثالث ، و تستمر قادرة على الطيران.وعلى هذا اقترح " والد" تعزيز الأماكن التي لم تتلقى إصابات لان على ما يبدوا ان إصابة أصحابها لم تمكنهم من العودة. و كان لهذه النصيحة مفعول السحر .


ان النظرة السليمة للامور تستدعي النظر الى قصص الفشل قبل قصص النجاح.                                                                                                                                                                                                                                        دمتم طيبين والسلام.    

0 التعليقات:

إرسال تعليق