الخميس، 13 أكتوبر 2022


أولًا : الاقتصاد التقليدي


افترض الاقتصاد التقليدي ان الناس يتخذون قرارتهم كمستهلكين على أساس عقلاني، ومن ثم ، فإن الأشخاص العقلانيين او الإنسان الاقتصادي homo economics 


 ال (Econ)كما يسميهم ريتشارد ثالير الحاصل على جائزة نوبل هذا العام ، يعرفون ما يريدون ، و يعرفون قيمة الاشياء التي يريدونها ، و ذلك من خلال مبدأ المنفعة. و يقوم الاقتصاد التقليدي على مفهوم للسلوك البشري الاقتصادي مبني على نموذج رياضي اسمه Utility Maximization Model، يعتمد على الافتراضات التالية:


١- المستهلك عقلاني و يحاول الحصول على افضل ما يمكن مقابل نقوده.


٢- دخول الأفراد محدودة لأن مواردهم محدودة ، وبالتالي فان اختياراته مقيدة بموارده ، و أولوياته ، و الأسعار السائدة، او كما يسميها علماء الاقتصاد budget constraint .


٣- لدى المستهلك تفضيلات واضحة للاختيار بين السلع و الخدمات ، و بذلك هم يعرفون المنفعة الحدية لكل وحدة إضافية يشترونها من اي منتج.


ثانيا :الاقتصاد السلوكي


[3]


على عكس الاقتصاد التقليدي ، يرى علم الاقتصاد السلوكي ان العالم مليء بالبشر ، و ليس بال (Econs) و ان البشر ليسوا عقلانيين على الدوام ، و لا يعرفون ما يريدون في أحوال كثيرة ، اي باختصار ، فان الناس لا يحسّنون التصرف ، و ان هذا كان و راء الكثير من الأزمات بداية من أزمة زهرة التوليب بهولندا حتى الأزمة المالية العالمية في ٢٠٠٨.


و يُعرف الاقتصاد السلوكي على انه تلك الدراسة التي تعنى بتحليل القرارات الاقتصادية والمالية التي يتخذها كل من الأفراد والمؤسسات التي تقوم بوظائف اقتصادية بما في ذلك المستهلكون، المقترضون والمستثمرون عن طريق دراسة العوامل الاجتماعية والفكرية


و لقد وضع دانيال كانمان و عاموس تفيرسكي نموذجا او نظرية لتفسير السلوك الاقتصادي للبشر انطلاقا من مكتسبات علم النفس و الأعصاب ، أسموها نظرية الأحداث المرتقبة prospect theory، ثم تطورت لتصبح نظرية cumulative prospect theory ، و هي نظرية تفسر كيف يختار الناس بين البدائل المختلفة ، و تهدف الى وصف و شرح و التنبؤ بشكل أفضل باختيارات الشخص المعتاد ، خاصة في بيئة من عدم التيقن، و تتكون النظرية من عدد من الخطوط العريضةاهمها :


١-اليقين أو " المضمون": يفضل الناس اختيار المضمون ، فَلَو عرض عليك مكسب مضمون مقداره ٥٠٠ جنيه ، و مكسب آخر مقداره ١٠٠٠ جنيه باحتمال ٩٥٪؜ لفضلت ال٥٠٠ جنيه خوفا من ال ٥٪؜.


٢- النفور من الخسارة loss aversion : شعور الإنسان بالم الخسارة يفوق شعوره بفرحة الربح ، فَلَو كسب شخص مثلا ١٠٠ جنيه ، ثم خسر ٨٠ جنيه ، سيشعر بمرارة شديدة على الرغم من انه لازال رابحا لمبلغ ٢٠ جنيه، لان الانسان يركز فقط على الخسارة.


٣- نسبية الوضع الراهن Relative poisoning من حيث الربح او الخسارة مقارنة بنظرائه و اقرانه من حوله ، بمعنى ان الناس تقيس سعادتها و إشباعها و مكسبها و خسارتها مقارنة بالطرف المحيط ، فَلَو كان مرتبك الشهري ٥٠٠٠ الاف جنيه ، و كنت الاعلى راتبا في شركتك ، ثم انتقلت الى شركة اخرى تعطيك راتبا مقداره ٦٠٠٠ جنيه ، لكن هناك الكثيرين يقبضون مثلك ، و اخرين يقبضون اعلى منك راتبا على الرغم من انك تعادلهم كفاءة، فلن تشعر بالسعادة و الإشباع على الرغم من الزيادة، لانك بالنسبة لزملائك اقل وأدنى ..اي لم يتحسن وضعك مقارنة بالآخرين على الرغم من الزيادة.


و على هذا ، فان قرارالإنسان و سلوكه تجاه المخاطرة يعتمد على النقطة المرجعية التي يبتديء منها (رابح أم خاسر). فالمستثمر في البورصة يخاف لدرجة الرعب من الخسارة خاصة بعد مكسب. ثمّ إذا ما خسر راح يجازف بحثا بجنون عن عن مكسب يعوّضه


واجمالا فان استيعاب هذا المفاهيم الثلاثة : (خوف الخسارة- عدم الإقبال على المخاطرة- قوّة الوضع الراهن) و استيعابها يتيح لنا أن نفهم كثيرًا من سلوكياتنا وسلوكيات الآخرين وتلك القرارات التي تبدو غير منطقية هي "بشرية طبيعية" اذا نظرنا الى دوافعه الداخلية واليات عمل العقل البشري.


و في الواقع فان نجاح الاقتصاد السلوكي لا يعتمد على هدم قواعد علم الاقتصاد و لكنه دعوة لان يأخذ الاقتصاديون في حسبانهم عند بناء نماذجهم الاقتصادية الاعتبارات البشرية و الاستفادة من التقدم الحادث في علوم الاعصاب و النفس .فبدلا من ان ينظر علماء الاقتصاد الى نظرياتهم الاقتصادية ليفهموا السلوك الإنساني ، عليهم ان يدرسوا سلوك البشر اولا ليعيدوا تفسير و بناء النظرية الاقتصادية على أساس واقعي سليم، و من خلال فهم سلوك المتعاملين في الأسواق ، والمستثمرين على سبيل المثال يمكن للرجال الاقتصاد تطوير القواعد اللازمة لمنع الأزمات الاقتصادية و الفقاعات المالية في المستقبل .


دمتم طيبين والسلام.

0 التعليقات:

إرسال تعليق