السبت، 8 أكتوبر 2022

سفاك دماء أم الرجل الذي ينسب له الحفاظ على الخلافة وبناءها؟ إليك مختصر سيرة الحجاج بن يوسف الثقفي أحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل.


وُلِدَ في منازلِ ثقيف بمدينة الطائف، في عام الجماعة 41هـ. وكان اسمه كُليب ثم أبدَلَ به الحجَّاج. تعلَّم القرآن والحديث والفصاحة، ثم عمل في مطلع شبابه معلم صبيان مع أبيه، يعلم الفتية القرآن والحديث، ويفقههم في الدين، لكنه لم يكن راضيًا بعمله هذا. كانت الطائف تحت إمرة عبد الله بن الزبير وقتها، واتجه الحجاج إلى مكة لينضم لصفوف جيشه لكن قابله مجموعة من جند ابن الزبير وحاصروه بسياطهم، وأهانوا الطائف وأهلها فقرر أن يغير وجهته إلى الشام حيث دار الخلافة الأموية.


التحق بالشرطة وتقرب لقائدها روح بن زنباع الذي كان يحظى بمكانة خاصة عند الأمير الأموي، واشتهر بقوته وانضباطه فزكاه روح عند عبد الملك بن مروان، فأصبح قائدًا للجنود وأعاد الانضباط والتنظيم إلى الشارع. اشتهر بإسرافه في العقاب وغلظته، ولم يكن يأمن شره أحد إلا الجماعة المقربة من قائده روح بن زنباع، وفي يوم وجدهم يأكلون في وقت العمل، نهاهم فاستخفوا به ولم يُطيعوه، فما كان منه إلا أن حبسهم وأحرق عليهم سرداقهم، وحين شكاه روح إلى عبد الملك بن مروان قال الحجاج له: «إنما أنا يدك التي تضرب بها، وسوطك الذي تبطش به» ثم أشار عليه بألا يعاقبه خشية أن يُستهان به بين الجند.


بعد تلك الحادثة ذاع صيت الحجاج وزاد بطشه. كان من المعروف أن أهل الشام لا يخرجون للقتال مع الجيش، وحين أراد الخليفة تسيير الجيوش إلى العراق لانتزاعها من مصعب بن الزبير -شقيق عبد الله بن الزبير-  أوكل المهمة إلى الحجاج الذي أعلن أن أيما رجل قدر على حمل السلاح ولم يخرج معه، أمهله ثلاثًا، ثم قتله وأحرق داره وانتهب ماله فخرج معه الناس خوفًا منه، وقاد جيشه فأظهر تفوقًا في إراقة الدماء ونزع الرقاب، وبعدما انتهت الحرب بمقتل مصعب وقطع رقبته؛ قرر الخليفة الأموي أن يكمل الحجاج مسيرته إلى مكة.


تحصنت قوات عبد الله بن الزبير بالحرم فحاصر الحجاج مكة، ونصب المجانيق على رؤوس الجبال، وشرع في قصف أهل مكة بالحجارة، ويحكى أن الصواعق ضربت جيشه فخاف الجنود وظنوا أنه غضب الله عليهم فأمرهم بالاستمرار والقتال، ولم يتوقف عن حصار المدينة حتى مع موسم الحج، فسقطت بعض الحجارة على الكعبة وتهدم جزء منها، فخاف من تحصنوا بها مع عبد الله وتركوه، وما بقي سوى ثلة قليلة سُرعان ما أبادهم الحجاج، الذي أمر بصلب عبد الله بن الزبير، وظل هكذا ثلاثة أيام حتى انزعج كل أهل مكة، لأنّ المصلوب كان أحد كبار الصحابة، ولم ينزل سوى بعد أن جاءت أمه أسماء بنت أبي بكر، فقالت للحجاج: «أما آن لهذا الفارس أن يترجل»، فأمر بإنزاله فدُفن.


ذهب إلى العراق ورأى أهلها «أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق» فحكمها بقبضة حديدية. بعد ذلك سيّر الحجاج جيوشه لفتح آسيا، واختار الحجاج اثنين من خيرة قادته هما قتيبة بن مسلم، وابن أخيه محمد بن القاسم الثقفي لفتح آسيا الوسطى، فانطلق الجيشان أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب في منافسة بينهما بعدما كتب إليهما الحجاج: «أيكما سبق إلى الصين فهو عاملٌ عليها» فوصل قتيبة إلى أسوار الصين وفتح آسيا، أما محمد بن القاسم فخرجت جيوشه من إيران شمالًا وانطلق نحو بلاد السند ففتحها ثم انطلق إلى باكستان بتشجيع الحجاج.


كان الحجاج يرى بتكفير الخارج على السلطان وطرده من الملة، لذلك كان يرى ما يفعله تقربًا لله يرجو به الأجر. حتى أنه أوصى بأنه: «يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك»، ليموت في ايام  رمضان بعد مرضه مرضًا شديدًا عام 95هـ


يلخص موقف الناس تجاهه ما قيل على لسان جارية وقت موته: «ألا إن مطعم الطعام، ومُيتم الأيتام، ومُرمل النساء، ومفلق الهام، وسيد أهل الشام قد مات»، فينسب له فتح الفتوحات والحفاظ على الدولة الأموية، كما أنه طوال عمره كان يعظم القرآن، لكن في يديه دم كثير من المسلمين ومن بينهم الصحابة. ليبقى واحدًا من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي.

  دمتم طيبين والسلام. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق