الجمعة، 7 أكتوبر 2022




 لماذا نشعر بالندم؟                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   لا بد أنك سألت يوما ما عن سبب شعورك بالندم ؟ و لماذا يحمل كل انسان هذا الوازع الأخلاقي و الضمير الذي يسبب له هذا الشعور ؟ و هل يعقل أن التنشئة الاجتماعية لها دور تكويني لهذا الاحساس ؟

بالأحرى هل هو شعور مكتسب أو فطري ؟

و قانونيا هو ارتكاب خطأ قانوني، بغض النظر عن كيفية شعور المذنب به.

و هو أيضا " العاطفة التي يواجهها بعض الأشخاص الذين يعتقدون بأنهم قد ارتكبوا خطأ ما، وقد يولد هذا الشعور ممارسات حياتية مرضية مثل الوسواس القهرى الذي فسره فرويد بانه شعور بالذنب المتولد من تعرض الفرد لتجربة تحرش جنسى في الطفولة يحاول أن يزيل اثامها بالتنظيف المبالغ فيه للأيدى والجسم على سبيل المثال. "

التعريف الأكاديمي:

في المصطلحات النفسية الأكاديمية يشاع ربط المصدر الأساسي للندم و التأنيب بالأنى العليا، حسب فرويد، و هو يشكل الجزء من العقل الذي يتضمن المحاكمات العقلية المغروسة، و الفطرية ; و هي أحد خصائص التفكير المنطقي للانسان التي تساعده على التفريق بين الحق و الباطل, و هي كذلك المداخل الذي يقوم فيها المتعلم بالدور الإيجابي في تقييم قيمه وتطوير التفكير الأخلاقي بدلا من تزويد المتعلم بمعايير وقواعد السلوك الصحيح بالتلقين الأعمى . [4] و هي أشبه ما يكون أيضا بعملية المحاسبة المستمرة و التمحيص للسلوك، باتباع نور الحق و الهدى المتمثل في القيم التي فطرنا على اتباعها.

و لهذا نقول أن جوهر الانسان دائما نقي, هذه احدى الاليات المرافقة لحرية الارادة و الاختيار و هي من نعم الله عز و جل.

و كذلك تتضمن الأنا العليا وجهات النظر و المحتوى الذي يتم تعلمه, و هي أيضا ما نشير اليه بالعامية بالضمير, و هي روحانيا الاستجابة للصوت الملائكي الذي يتصدى لوسواس القرين و الذي يساعدنا في محنة التكليف.

تعاظم الأنا العليا، كيف يمكن أن يؤثر تضخم الشعور بالذنب ؟

قد يشكل تعاظم الأنا العليا تزايد مستمر بالشعور بالذنب ; طرديا، و كذلك الوسواس أحيانا، في الحالات السوية للأناس السليمين عقليا، كما نرى مع الصحابة الأفاضل رضوان الله عليهم اللذين يبكون برقة و يتأثرون بتذكر ذنوبهم ; ذلك بأنهم تلقوا تربية صحيحة من مصدر التشريع نفسه، صلى الله عليه و سلم، و الذي امتلك أسس التربية القويمة السليمة و العناية بهذا الجانب من العقل، و ذلك بالترغيب في عمل الخير و الترهيب من عمل الشر و تكرار ذلك.

و التأثير العكسي للناس الأقل سلامة و صحة يظهر في اسقاط هذا الشعور ( بالقاء اللوم على الاخر البريء بدلا من تحمل المسؤولية الشخصية ) هذه الطريقة تعزز من النزعة في الانتقام بأشكالها الحدية كالثأر من العدو ممثل الشر، و في حالات سيئة تصل الى تقديم مسوغ بقتل الاخرين كونهم يستحقون الموت، و تدعم هذه الفكرة الدعاية التي يتم نشرها بشكل تثقيفي و غسل الأدمغة (انظر : غسيل الدماغ[5]) أسلوب ذو صبغة دينية من قبل شخصيات ذات نفوذ و كاريزما كالارهابيين المتطرفين ( الكاريزما صفة مشتركة بين أولئك اللذين يحملون اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع ).

في الأساس يكون الاسقاط احدى الطرق العلاجية ( Coping Mechanism ) التي تعالج فيها الأنا الشعور بالذنب، و ذلك لأن الدوافع و العواطف ينظر اليها صاحبها أنها ليست ملكا له أساسا، فينظر اليها على أنها "خارجه"، فهي اذا مصدر لتبرير الكراهية و نزعة الانتقام.

هذا مستوى وعي منخفض نسبيا ; يظن الفرد صاحب الوعي المتدني أن شعوره بالذنب هو أساسا ملك لمسببه، و ليس ردة فعل خاصة به، يمكنه التحكم بها و تجاوزها بمفرد، هنا قد يكفر هذا الفرد، أو يوجه أصابع الاتهام نحو الظروف و الأشخاص، و يرتكب الكثير من الحماقات التي لن تفيد أي شخص، لهذا دائما ما تشيد النخبة المثقفة بقيمة المسؤولية.

و تكون مستويات الوعي متدنية على نحو خطر عند الأشخاص اللذين يقعون ضحايا لاجتماع الأخطاء الشيطانية ( كالغرور و تحريف الحقيقة ) و الأخطاء الجهنمية ( كالوحشية و الهمجية )، و على هذا الأساس فان أسوء الجرائم التي يرتكبها البشر عادة تكون باسم الله - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - ( انظر : الحروب الصليبية [6]).

تشعر بالذنب ؟ قد تكون أنانيا دون وعي !

تعرض هذا الشعور البغيض الى تحليل أصولي و ديناميكي من قبل كثير علماء النفس، تم استنتاج أن الشعور المتزايد جدا ( جدا ) بالذنب ما كان الا شكلا اخر من أشكال الأنانية التي يتم فيها تضخيم الخطأ بدلا من التخلي عنه لسلطة أعلى، و يميل أصحاب هذا الانحراف الفكري الى السادية و المازوخية للأسف و اهانة النفس و اذلالها و معاقبتها بشكل لا ينفع الفرد ذاته و لا المجتمع.

" الشعور الزائد بالذنب و الندم هي أشكال مقنعة للأنانية التي تصبح فيها الذات متفاخرة و متكبرة و بطلة للمأساة، و هي السلبية التي تغذي الأنا "

فبدل أن تعيد الأنا انعاش نفسها من خلال السلبية، من الأفضل الخضوع للذات الأساسية دون " لف و دوران ".

كيف تخرج من دائرة المحاسبة ؟ كن متواضعا و متقبلا !

بعد أن تتراكم الأخطاء على شكل ذكريات، تتكدس تزامنا مع أوقات المحاسبة التي تعمل على تصنيف الأحداث لل " الحالي" و " التالي "، فالذي " كان " لا يمكن أن يكون مماثلا للذي " يكون "، الندم و الشعور بالذنب ينتجان عن مساواة الحالة الانية التي " تكون " مع الحالة السابقة التي " كانت " و هذا يصنع دائرة مستمرة يصعب الخروج منها الا بالتصالح مع الذات و القبول و خاصة التواضع - نقيض سلبية الأنانية و التكبر اللذان يتقنعان أحيانا في شكل الشعور بالذنب.                                                                                                                                                                                                                                                 دمتم طيبين والسلام.                     

0 التعليقات:

إرسال تعليق