يوجد في علم النفس ظاهرة تعرف بإسم فخ الكمال او لعنته Perfectionist's trap :

تعوق هذه اللعنة صاحبها عن العمل ... تحرمه من النجاح ..تمنعه من تحقيق حلم حياته لانها تثبط قدرته على الإنجاز .يشعر دوما ان ما يفعله دون المستوى .يرى اعمال غيره تٌطبع و تُنشر ،و تُسمع و تُصور،بل و تؤهل أصحابها لمناصب اعلى ، فيستغرب صاحبنا كثيرا ، فهو دون شك يستطيع ان يؤدي افضل منها .. لكنه عاجز مكبل لا يفعل ..ابدا !!

صاحبها خَبِر انواع " المنتج المتفوق " و تذوق افضل الأطعمة و استمع الى كبرى الاعمال ، فبات " الامتياز" هو " المعيار " الذي يقيس عليه أعماله ، فلا يقبل ما دون ذلك من الاعمال، و من ثم يرفض عمله او منتجه نفسه لانه بالضرورة دون المستوى mediocre مقارنة بما يعرفه.

صاحبها عالق بين نموذج " التفوق excellence" الذي عرفه من خلال قراءته ومشاهداته و الذي كان ايضا سببا لرغبته في اداء عمل مماثل و بين أدائه الشخصي و منتجاته دون المستوى .

صاحبها نشأ بين اعمال ناجحة masterpieces و اساتذة masters فقط ، لم يشاهد " اللوحة " الا و هي معلقة في المتحف ، و لكنه لم يذهب الى الاستوديو ورأي كم المحاولات الفاشلة التي تمت حتى ظهرت اللوحة الى الوجود .صاحبنا قرأ الراوية المثيرة ، و لكنه لم يرى الاف المسودات التي تم القاءها في سلة المهملات .صاحبنا يتعذب لانه لا يستطيع ان يهرب من مصيدة الكمال.

أولًا ادراك وفهم ابعاد المشكلة

١- إعداد مذكرات يومية تسجل فيها كل موقف تشعر فيه بأنك لا تستطيع الاستمرار بسبب معايير الكمال المرتفعة التي وضعتها لنفسك.

٢- من خلال هذه المذكرات يمكنك رصد المواقف ونوعيتها التي تشعر فيها بالعجز الشديد و القلق المفرط: هل هي في العمل ؟ أم في البيت؟ او عند الرغبة في النشر او السؤال على مواقع الإنترنت مثل (كورة ) او الفايسبوك او تويتر .

٣- تحديد نوعية المعوقات بالتأمل في الأحداث المتفرقة: ١- معايير اداء مرتفعة لا يقدر عليها الا الجهابذة والمحترفين ، ٢- الخوف من النقد ، ٣- الشعور بالخجل، ٤- فقدان الثقة في النفس، ٥- الغرق في تفاصيل التفاصيل .

ثانيا استراتيجية العمل

١- الأهداف الصغيرة تشجع على الاستمرار :

ضع أهداف جزئية صغيرة واحتفل بإنجازك ( مثلا عند مراجعة لكتاب ما: ليكن هدفك الأول الصغير كتابة المحتويات ، و الهدف الثاني الصغير : التعريف بالكاتب ، وهكذا …).

٢- التركيز على العمل وليس النتائج:

تعود ان تشغل بالك بالخطوات التي تقوم بها والمدة التي يجب عليك ان تستغرقها لإتمام كل خطوة.

٣- الاستعانة بعدد قليل من الأصدقاء والأهل

اختر صديق او اثنين او اخ كبير او اخت واعرض عليهم عملك قبل ان تعرضه على ( العموم ) وذلك للتمرين على التغلب على الخجل، وتقليل حجم النقد المتوقع.

٤- تجارب لاختبار المعايير :

ابدأ مثلا بالرد بشكل مختصر جدا ( ٣ - ه سطور على الأقصى ) على سؤال بسيط على كورة او اطرح سؤال او أرسل Email لزميل بخصوص موضوع في العمل ، وراجع عملك مرة واحد فقط ، وشاهد ما هي النتيجة ؟ وعندها ستتأكد ان عملك على مايرام و انه لو اخطأت لن تهدم الدنيا ! واذا كان هناك نقد ستراعيه المرة القادمة ! كرر التحربة عدد من المرات.

٥- تقبل العيوب وتفويض الأمر لله

ربما تكون هذه اصعب الخطوات لانها تحتاج الى تغيير عقلية الشخص وكيف يرى الأمور ، ولكن بالترتيب الذي ذكرناه في الاستراتيجية يمكن تغييرها ، فعليك ادراك ان البعد عن مناطق التوتر و تجنب ما يخجل ويؤلم قد يجنبك مشاكل آنية لكنها سيخلق لك مشاكل كبيرة لاحقًا ، ويحتاج الأمر الى دفعة إيمانية تقر بأن الإنسان خطاء وان الكمال لله وحده .. فإذا شعرت بالقلق الشديد الذي يصاحب فخ الكمال عليك بالصلاة و تفويض الخالق في عملك و توقع اللطف في نتائجه ان أخطأت و اتكل على الله وأتمه وأعرضه ( فقط استشعر انك فوضت امرك لله ).. ويمكنك أيضا ممارسة اليوجا و تمارين التنفس و التأمل لتهدئة النفس والشعور بالأمان وأنك جزء من هذا العالم.

٦- الاستعانة بالمتخصصين في الطب النفسي

اذا لم تستطع بهذه الطريقة التخفيف من حدة الرغبة في الكمال ، وشعرت بالفعل انك بسببها لاتستطع حتى القيام بالوظائف الأساسية في حياتك مثل ان تصبح أم او أب لانك تخشى من الفشل في تربية الأولاد بالشكل اللائق ، او عدم الرغبة في الذهاب للعمل ، او العزلة الشديدة لابد ان تستشير الطبيب النفسي ليقدم لك بعض العقاقير المضادة للقلق و الاكتئاب ، واستخدام جلسات العلاج المعرفي السلوكي cognitive behavioral therapy.                                                                                                                                                                                                                                                                                              دمتم طيبين والسلام.