الخميس، 20 أكتوبر 2022


 اللحية


 (موضع إعادة تقويم الأمور)


 يغير المرء وجهه لبغير قدره


 لماذا يبدد الرجال وقتهم في حلق لحاهم؟ يضيع الرجل الذي يحلق لحيته يومياً منذ كان عمره ثمانية عشر عاماً إلى أن يبلغ الستين من عمره ٢٥٥٥ ساعة، أي ما يعادل 106 يوماً من حياته في القيام بهذه العملية. يقدم موريس تفسيراً لذلك: «إذا كانت اللحيـة تـرمـز إلى العدوانية وإلى هيمنة الذكر، فإن حلقها يومياً يشير إلى الرغبة في التخفيف من حدة هذا التسلط البدائي، يكشف الرجل بلا لحية حاجته إلى التعاون بدلاً من روح المنافسة». أقدم توضيحاً مختلفاً . بصفتي أطلق لحيتي، وهو أن جميع الملتحين غشاشون يختبئون وراء لحاهم كي يحافظوا على مسافة للهرب. فهل تكون اللحية إذا الموضع التاريخي للرجولة المهيمنة؟ كتب جون بولر John Buwler في القرن السابع عشر يقول إن اللحية عطيـة مـن السماء، ولا ينشد من يحلقها سوى التشبه بالنساء، وهذا ليس عملاً معيباً فحسب، إنما هو عمـل جـائر ونكران للجميـل نحو الله والطبيعة، ....


 اللحية كعلامة دينية ظاهرة للعيان.


 تشكل اللحية المشذبة جيداً امتيازاً إغرائياً ونرجسياً. «بما أن اللحية تشير إلى الذكر فإن تأثيرها الرئيسي هو تأثير بصري، ولكن لها تأثير آخر بصفتها ناقلة للروائح. تمتلك منطقة الوجه عدداً من الغدد ، ويعمل الوجه الملتحي على حبس ما تفرزه هذه الغدد من روائح على نحو أفضل. وقد يؤدي ما تفرزه هذه الغدد من زيادة في الهرمونات عند بدء وظيفتها لأول مرة في مرحلة المراهقة إلى اختلال التوازن على مستوى الجلد الذي نسميه حب الشباب، والمراهقون الأكثر نشاطاً على الصعيد الجنسي هم الذين يعانون من اندفاعات حب الشباب الأشد عنفاً». 

من الصعب أن نتصور بأن شخصية جذابة مثل نيكولا ساركوزي تحلق ذقنها وهي تحلم بأعلى مكان في السلطة، تمثل جميع الرسومات العابدة لرب التوراة بريشة فناني عصر النهضة شخصيات ملتحية، لماذا كان يسوع يرخي لحيته ولم يكن اللصوص يرخون لحاهم؟ الحق يقال إن حاخاماً أو إماماً من غير لحية هو خروج عن المألوف، وأمثالهما موجودون ولكنهم لا يوحون بالجدية، فهم كالموظف الإداري الذي يعمل في شركة متعددة الجنسيات ولا يرتدي ربطة عنق، تعمر الأفكار المبتذلة طويلاً.


 لندع جانباً هذه المنازعات الحمقاء. إن اللحية في نظري هي موضع إعادة تقويم الأمـور. يطلق المرء العنان للحيته بعد فشل شريحة من حياته، أو بعد حداد على شخص ما، أو بعد حزن على إفلاس مهني، بغير المرء وجهه ليغيـر قـدره، إن هذا التفسير هو بالطبع تفسير معاصر تماماً، وهو يتفق مع عصرنا الذي يفتقر إلى الأمن الحيوي، لقد أطلق جميع أصدقائي الذين أشهروا إفلاس شركاتهم، وجميع أصدقائي الذين انفصلوا عن شريكات حياتهم، وجميع أصدقائي الذين فقدوا عملهم بغتة لحاهم بلا استثناء لفترة قصيرة أو طويلة، لقـد أضحت هذه الكثافة الشعرية العنيدة التي كان لا بد من حلقها كل صباح تنكراً ووسيلة لإخفاء الحداد أو الحزن أو خيبة الأمل. ومن ثم أصبح تقويم الأمـور مـن جديد طريقة سلوكية أو أسلوب عمل، إنها حرية جديدة في الوجود حسب مشيئة الرياح الموهومة.


 اللحية الدارجة. لم تعد اللحية التي تترك مهملة لمدة ثمانية أيام دارجة كثيراً، فهي تمثل قناعاً ومكياجاً شعرياً للوجه. إن شكل اللحية في طريقه لأن يصبح فناً قائماً بذاته كاللحية المشذية بالخيط الرفيع واللحية على شكل مدراة ثلاثية واللحية التي تقتصر على الشعر تحت الشفة السفلي والتي تكاد تماثل شعر العانة عند المرأة، ولحية قناع مهرج السيرك، ينبغي تمويه الوجه أو تغيير شكله أو محو عيوبه التي تكاد أن تكون واضحة جداً، وقد درجت من جديد موضة اللحية على الخدين على طريقة الأباتشي ١٩٠٠. لم يعد يحظي الوجه الحليق بالتقدير. واللحية الكثة لها كيانها، وهي النموذج البـدئي الأبوي في مخيلة العامة، هـل كـان Marek Hatter سیوٹر 4 عقول قرائه لولا تلك اللحية شبه التوراتية التي يطلقها وكأنها علامة

تجارية؟ لماذا لا يظهر أي مقدم برامج تلفزيونية أمام الكاميرا بلحية؟ يربي عدد قليل من ممثلي السينما لحاهم لفترة طويلة إلا إذا احتاج دورهـم ذلك، ولا يوجد في الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) سياسيون ملتحون، إن اللحية الكثة في الواقع قليلـة الانتشار عنـد الأفراد الذين تتسلط عليهم الأنظار أو المشهورين جداً في الأوساط الإعلامية. هـل تنافي اللحيـة الـذوق عندما تظهر على صفحات مجلات الـ Pipole الحـق يقال إن معجبيهم قد لا يتعرفون عليهم عندما يظهرون بلحية. وتدفع هذه المجـلات سعراً باهظاً لكي تحصل على حق نشر صور النجوم الذين يفتحون لها أبواب الرزق. لا يحب النجوم أن يعيدوا تقويم أنفسهم، ولا أن يتخيلوا بأن الشهرة قد تدير لهم ظهرها على جانب الطريق، فهل هـذا هـو مبرر غياب اللحية عند منشعلي البرامج التلفزيونية؟ يخك جان بيير لحيته كلما توجب عليه اتخاذ قرار فوري، يعـمـل

 جان بيير منتجا تلفزيونيا.

 عندما يحك الملتحي وجهه فهو يعيد دائماً تقويم الأمور في ظل لحيته. إذا احتجت إلى تحليل الموقف فأطلق لحيتك إلى أن تعثر على الطريق الجديد الذي سيعيدك إلى جادة

 النجاح.

0 التعليقات:

إرسال تعليق