هل يوجد علاج دوائي من إدمان مشاهدة الإباحية؟ وهل أحتاج أن أذهب إلى طبيب أم أن الموضوع كله يترك لإرادة الإنسان والتحكم في نفسه؟ أعتقد أني لو ذهبت لدكتور لن يفيدني بشيء ناهيك عن الخجل والكسوف.
حاول أن تكون موجة بحر واقفة في مكانها … وستعبر من خلالك أمواج المثيرات والظروف. الإدمان على شيء يتحقق وفق ما يسمى ب"معادلة السلوك" وهي التي تشرَحُ لك لماذا تسلك سلوكاً محدداً دون غيره ، رغم أنك قد لا ترغبه بوعيك وإدراكك وقواك العقلية الحاضرة. إن أبسط الصيغ وأسهلها لمعادلة السلوك هو الوصف : ( المثير + الاستجابة + الإشباع )× التكرار = ارتباط الرغبة بالاستجابة. نقصد بالمثير أي ما يقوم بتحفيز الدافع الجسدي أو النفسي ، مثل الطعام والموضوع الجنسي والمعرفي ، نقصد بالإشباع تحقق التوازن الهرموني أو الكهروحيوي ، وما ينبعثُ عنه من زوال التشنج الذي يسببه "شداد الرغبة" على النفس. الاستجابة السلوكية التي تحقق الإشباع ، والتي ترتبط بمثير "موضوع إشباع" محدد ، سوف تترسخ في اللاشعور ، وتدريجياً ومع التكرار ستصبحُ عادة إدمانية يبدو من الحال كسرها. بالطبع ، ما أحدثك عنه حقيقة واضحة للتجربة البشرية ولكن إذا كنت من الفئة الذين لا يقتنعون إلا بكلام العلماء والتجارب ، أحب إخبارك أن معادلة السلوك هي الحقيقة الوحيدة في علم النفس التي لم يختلف عليها باحثان ، بل وهي أكثر ما قام عليه التجارب سواءً بمدارس الاستبطان القديمة لفهم آليات التعلم وكيفية تكوين الذاكرة عن الحدث عديم الإثارة والتحفيز ( كحفظ جمل عشوائية بلا معنى ) ومروراً ببافلوف وكلبه ، وعبوراً من آلاف التجارب على المرضى والأصحاء والحيوانات في الاتحاد السوفييتي وفي ألمانيا وأمريكا وتلك النتائج المبكرة هي ما أسست الصورة الحديثة الضعيفة لعلم النفس التجريبي الذي تراه اليوم. وكل علاج نفسياً كان أو دوائياً ، قام فقط ليحاول إحداث فجوة أو تفكيكاً لهذه المعادلة بخصوص سلوك إدماني أو مرضي ما. على سبيل المثال لا الحصر ، كان الأشخاص المدمنين على تعاطي الكحول ، يتم ربط شربهم للكحول بمصدر إزعاج أو عقاب كصعقة كهربائية ما ( العلاج بالتنفير ) أو يتم ربط الكحول نفسه بوضع مادة تجعل طعمه سيئاً ورائحته كريهة ( التنفير من موضوع الإثارة ) أو يتم ربط الدافع نحو الكحول بموضوعات أخرى وهذا نوع من إسماء الدافعية وجعلها تتوجه نحو الروح والفن والجمال ، وهو أحسنها على الإطلاق. بعض الأساليب كانت شديدة الغرابة ، بعض المثليين تم السماح لهم بممارسة الجنس الشذوذي بشكل غير مشروط ، وأدى ذلك مع مرور الوقت إلى نفورهم من المثلية لمجرد الممارسة ، وقد مروا بفترة اكتئاب حرجة قبل الخلاص ولكنهم في النهاية عبروا … هذه لمحة موجزة عن أساليب تصحيح السلوك الإدماني المثبتة تجريبياً وجميعها فعل فعله وحسن صحة المرضى وخلصهم جزئياً أو كلياً من إدمانهم. حتى العلاج الدوائي الذي ينظر للسلوك كأنه نتاج تفاعل المحيط مع العمليات الدماغية الكهروعصبية ، لم يخرج من هذه المعادلة ، ولكنه فسر طريقة الإثارة بأنها تنبيه للنقل العصبي ، وبناءً عليه يتم تصحيح مسار السلوك بتصحيح مسار النقل العصبي ، لم يعد من شك على الإطلاق أن هذا الأخير كان أضعف العلاجات وأكثرها تدهوراً وتأثيراً سلبياً على صحة المريض. ما أريد أن أخبرك إياه الآن وبعد هذا العرض الطويل الموجز ، معادلة السلوك في معظم المدارس أهملت عاملين أساسيين أقوى من كل العوامل : الأول هو عامل التأويل : من المستحيل أن يرتبط المثير بالاستجابة وبالدافع لمجرد حدث عرضي ، حتى وإن كان متكرراً ، قوانين الربط المنطقي وحساب الاحتمالات واتخاذ القرار بناءً على الإحصاء والاستقراء والترجيح ، هو السبيل الوحيد لكي تترسخ الأرباط الفكرية الخاصة بإنتاج سلوكٍ ما ، ولكن ماذا يعني هذا ؟ يعني أنّ الإنسان لا يتلقى الاقتران الزمني للأحداث والوقائع بشكل سالبٍ تماماً ، بل يتدخل ويضع تصميمه الخاص ، والذي يسمى قبل التطبيق بال"التأويل" وبعد التطبيق ب"السلوك". فلتتخيل الآن تفاحة حمراء جميلة ذات نكهة سكرية معتدلة دون طعم حامض ، ولتتخيل أنك تقسم هذه التفاحة لشطرين ، ثم تستخرج البذور التي فيها برأس السكين ، ولتتخيل أن لديك أداة ما ، تمكنك من عزل قشرة التفاحة فقط دون إزالة أي شيء من دسمها السكري ، ثم لتتخيل أن لديك مجهراً مكبراً وأدوات تشريح دقيقة جداً وآلات ذكية ، يمكنك تكبير التفاحة وفصل أنسجتها وخلاياها ورؤية كل خلية على حدى ، ثم تحطيم جدار الخلية واستخراج أجزاءها الداخلية كالميتوكوندريا والسيتوبلازما ، وتفكيكها جميعاً إلى وحداتها الأولية ، وصولاً للنواة ، التي تقوم بإخراجها وإزالة جدارها النووي واستخراج أشرطتها الوراثية وتحليلها وفك روابطها حتى تغدو جميع خلايا التفاحة التي كانت متماسكة ذات يوم ، هباءً منثوراً في أفق المجهر ، ومجرد ذريرات لا ارتباط بينها ، ثم تقوم بتحليل الذريرات إلى كمومها الأولية ونثرها في الفضاء …. ما الذي تحسّ به بعد خوض هذه التجربة الذهنية ؟ أكثر الناس سيجيبون بأنهم شعروا بشيء من الراحة ، ذلك هو السبب في البحث عن موضوعات معرفية جديدة لتشريحها ، وموضوعات جنسية لتشريحها ، ذلك يتجلى أيضاً برغبة الأطفال بتكسير وتفكيك الأشياء ، وخصوصاً الفلينات وتلك الأكياس التي يقضون ساعات بفصفصة جدارها المكون من حبيبات نايلون مملوء بالغاز. ذلك هو السبب أيضاً في شعور الراحة بعد الإطراح ، وبعد طقطقة العظام والمفاصل ، وتنظيف الأنف والفم والأسنان ، بل هو السبب أيضاً في الرغبة الجنسية التي هي محالوة ل"تشريح" الآخر وتقسيمه لوحدات نفسية تمكنك من قراءة شخصيته وأبعادها الجوانية التي لا يُطلع عليها أحداً ، كل الغرائز والسلوكيات التي يسلكها الإنسان ضمن الزمن الغيابي تتخذ هذه الرغبة مرتكزاً لها ، رغبة "التحليل المنطقي التجريبي للواقعة الزمنية". يقوم السلوك بناءً على هذه الرغبة بالذات ، برد الواقعة الموضوعية إلى تأويل ذاتي ، وهذا التأويل يتشابهُ مع محاولتك لتشريح التفاحة ، لكشف سرٍ أو شيء ما بشكل عياني ، ومع جميع السلوكيات الفضولية التي تبدو مزعجة ولا معنى لها ، ومع جميع الأفعال الإجرامية التي يصعب تبرير سببها ، كما يقول كورولو عندما سأله غون عن رغبته قتل وتعذيب الناس "لأفهم نفسي" لأنه يرى انعكاسه في أفعاله الزمنية ، وبما أنه شيطانٌ وصل لمرحلة عالية من التركيز والتكيف مع طبيعته المزيفة دون انحراف زاوية بصره عن مبادئه التأويلية التي استند عليها ، صار يرى ذلك بوضوح تام ، وهذا هو السبب أن إجرامه وتكوين العصابة بدأ يوم فتح الشريط الكاسيت الأسود ( الثمرة الملعونة التي تسمى برغبة المعرفة للأشياء الغائبة والأحلام الوهمية ). ولكن هذا التأويل الذي يتخذه الإنسان بالنسبة لموضوعٍ واقعي ، هو تأويل لشيء غائبٍ عنه ، ولا يمكنه كشف حقيقته النهائية ، ورغم ذلك لا يفتأ الإنسان يحاول إعادة صياغة التأويل مراراً ومراراً حتى يحس بأنه أصاب شيئاً من الحقيقة ، ولكي يتثبت من ذلك عليه أن يجد "اعترافاً" صريحاً بتأويله ، ذلك الاعتراف يأتي من الزمن نفسه ومن الآخر ، وهذا هو التجريب الذي يخوضه المرء ، ليحس بالإشباع الناتج عن ربط تأويله بواقعة تثبت صدقه ولو جزئياً ، ن أجل ذلك تجدُ شخصاً مستعداً للموت في سبيل الزواج من فتاة هي أصلاً لا تفكر به ، إنه لا يهتم بذات الفتاة ما وراء التأويل ، بل يريد إثبات تأويله ليكون لوجوده ضمن هذا الزمن الافتراضي معنىً يعيش لأجله ، ارجو أن يكون مفهوماً بالقدر الكافي حتى هذه اللحظة. يأخذ المثير كامل قوته من ارتباطه بدافعية معينة تأويلياً ( ارتباط المثلية بالإحساس بالحرية والتحدي والعاطفة الجامحة - ارتباط حزب البعث بالإحساس بالانتماء الوطني ووجود قضية مصيرية يمكن بذل الحياة الدنيوية لأجلها - ارتباط ما يسمى بالحركات الجهادية بالدافع نحو السيطرة والقوة وتأويل ذلك بتخيل دعم الله بغير علم يقين ). عملية كسر التأويل الذي يجعل من المثير ( النماص ) موضوعاً لإشباع الدافع ( الجنس + رغبة تشريح معنى الضعف والمعاناة والتنازل ومراقبة الأسرار الممنوعة ) تعتمدُ على فك الروابط الوهمية بينهما ، لأن الجنس لا علاقة له ب"كشف" الحقيقة الزمنية لحالة وجدانية معينة ، نعم قد يقترن الجنسُ بالحالة ضمن إحداثيات زمنية ، ولكن الرابط الوحيد بينهما هو التأويل نفسه ، وإلا فلو تخيلت الأفلام الإباحية كشيء تقوم به الروبوتات أو تنشؤه من خلال أحلامك وتجسده على واقعك بمعادلة خيميائية ( وهذه هي الحقيقة بأحد جوانبها ) ، فما الذي يُمكن أن يعنيه لك المشهَد الإباحي ؟ سوى إضاعة الوقت وربط الحقيقة بالوهم … عملية الفَهم لكل من الرغبة ، ومعادلة السلوك المقترنة بالرغبة : "حقيقة المثير" و "حقيقة الاستجابة" و"حقيقة الرابط بينهما" ، كفيلة بقشع ضباب العقدة النفسية أياً كانت ، على الأقل للحظة واحدة .. وبعدها … يمكنك أن تكرر هذه العملية الاستبطانية ، التي تفهَمُ فيها الأشياء على حقيقتها ، فهماً وجدانياً حياً وليس مجرد تنظير ، وليس مجرد تقنيات وكتب وأدوية ، حينها تستطيعُ أن تفك الأغلال مع التكرار والتركيز والـأمل الهادئ. الثاني هو عامِلُ الوعي : المدارس النفسية التي اهتمت بالتأويل ، وهي التحليلية والربطية المعرفية ، قصّرت في العلاج والنتائج التطبيقية ، لأن التحليليين احتاجوا لسنين طويلة لكشف التأويل الحقيقي وشيفرة المرض لسلوك شخص محدد ، وأغلب الأشخاص كان ييأس بعد أسابيع أو أشهر من طول وتكاليف العلاج ، بينما كانت المدارس السلوكية والإشراطية أكثر عملية لأنها توفر علاجاً سريعاً ورخيصاً وفعالاً بنحو معين. ومع ذلك ، أي شخصٍ يكمل العلاج التحليلي للنهاية يحقق شفاءً تاماً أو شبه تام بأسوء الأحوال ، على العكس مما يجري مع الأشخاص الذين يتلقون علاجات وهمية ودوائية ، أو حتى الذين يتعالجون سلوكياً ووظيفياً. من هذا المُنطَلق تنشأ رحلة جديدة في ميدان البحث العلمي … رحلة لم يكتب لها الشهرة وتم تحريف مضمنوها بإلصاقه بإجراءات بالية لتتناسب مع التعليم الأكاديمي ، إنها رحلة "الغشتالت". بينما اعتمد علاج السلوكيين على تغيير السلوك الواقعي ، واعتمد علاج التحليليين على تغيير التأويل الذي يوجه السلوك ويرسم الخريطة له وللدافعية ، فإن علاج الغشتالت يعتمدُ على "تغيير أسس التأويل للسلوك والواقع" … ليس بالضرورة لكَ أن تفهم ماذا جرى في الماضي ، وما الذي سيجري مُستقبلاً ، إذا لم يكن ذلك سيغيرُ حاضرك الحالي الآني. إن النبش في قبو فرويد المظلم ، يشبه تحليل آلة ميكانيكية عملاقة معطلة ، وصرف وقت وجهد جهيد بمحاولة إصلاحها وكشف المسنن المكسور ، بينما يكمن السر كله في أنك أصلاً لا تهتم الآن ، ولا بأي شكل ، بتلك الآلة الضخمة ، وإنما تريد تحقيق الغاية من استخدام الآلة ، غايتك مثلاً هي قياسُ حرارة الغرفة بدقة عالية أو نقلُ بعض الحمولة الثقيلة من موضع لآخر في المعمل أو إخراجها منه أصلاً ، الطريقة التي يفكّر بها فرويد تشبه بذل الوقت على إصلاح المسنن المكسور وعلى كشفه وفهمه وفهم آلية إصلاحه قبل ذلك ، بينما سيعططل ذلك عمل المعمل بأسره وسيعطلك عن الكثير من الأمور المهمة الأخرى ، فإنّ الأهم هو تحقيق الغاية أصلاً من استخدام الآلة ، ومن الممكن لك أن تستخدم آلة أخرى أبسط أو حتى كلتا يديك ورجليك ، وتنجز المهمة وهي ما يهمك الآن ، لأن الآلة أصلاً "وهمٌ كبير وعملاق" ولا فائدة منها إلا في خضم ما صنعت لأجله ، ولا وجود لها بالنسبة لك إلا لحظة تستخدمها في إنجاز المهمة ، أو لحظة تستخدمك هي في إصلاحها !
دمتم طيبين والسلام.
0 التعليقات:
إرسال تعليق