الجمعة، 14 أكتوبر 2022



أنت تعلم، الإنسان لا يتصرف على نحو واعي، أغلب حياته يقوم بأفعال ليس يسأل نفسه لما عليه القيام بها، ليس يسأل لما عليه أن يتزوج، هو يتزوج فقط، لأنه لو أجاب ب"لأجد من يشاركني حياتي" يأتي السؤال المحرج : ولما عليك أن تجد من يشاركك حياتك ؟

الجواب : لأنني أحس ب"حاجة إلى ذلك" إذن هل الحل أن تتجاوز حاجتك، أم أن تطيعها على نحو عبودي (نعم) ؟

وكيف أتجاوز حاجتي ؟

ولماذا لا تبحث ؟ لماذا تريد إجابات جاهزة ؟ لماذا على أحدهم أن يخبرك دائماً بكل شيء ، أو أن يكون الشيء مسلماً به وانتهى الأمر ؟

دلت التجارب منذ مئة وخمسين سنة، بعد إدراكها وتنظيم محتوياتها العلمية والإخبارية في علم النفس، أن الإنسان ، عبدٌ لغرائزه الأولى أغلب الوقت، ولكن هذه الغرائز تتخذ تأويلات معقدة جداً. لتغطي بها كافة سلوكياته التفاعلية … فلا يخرج الإنسان العادي فيها عن الآلة، يمكنك أن تقول إنه يتحول إلى "آلة ناضجة" وليس إلى ذات ناضجة ومتكاملة، لمجرد أنه يبدي سلوكاً وظيفياً فعّالاً في المجتمع.

مثلاً، شخص في عيادة تحليل نفسي، يصرح اثناء الحديث عن بعض الأمور، بأنه يجد نفسه كل يوم يأكل الطعام بيده اليسرى، يسأله المحلل النفسي : لما ؟

"هكذا نشأت"

"وما الذي دفعك لذلك أول مرة ؟"

"حسنا … لقد أعدتني خمسين سنة في الذاكرة إلى الوراء .. في ذلك اليوم كنت من المعازيم مع عائلتي على عشاء في حفلة ما … وكنت أتناول الطعام بشكل عفوي … فجأة، بدأت ألاحظ نظرة أمي لي … وعندما عدت إلى المنزل تلقيت توبيخاً قاسياً جداً وتم تدريبي على مسك الشوكة باليسار …

إذن ما الدافع لهذا ؟

في هذه الحالة، أظن أن دافعي هو الخوف من فقدان الاحترام …

وهل ترى الآن أن الخوف من فقدان الاحترام متعلق بطريقة تناولك للطعام ؟

أجل ، لا !… إممم أعني ، بالتأكيد هذا غير مهم أبداً، ولكن لسبب ما لا أستطيع تصديق ذلك …

لا أستطيع الاطمئنان لهذه الفرضية ، وتشدني عنوة فرضية المحافظة على ذلك السلوك منعاً لأي وشوشة أو اضطراب.

هذا الانفصال بين حالتين، أو بين تأويلين، واقع أمامك، وماض خلفك … واقعك يقع مباشرة أمام وعيك، وكل ما ليس بواقع يقع في زمن الغياب، إما في الماضي وإما في المستقبل الذي تتخيله كتتمة لزمن الماضي لا كمستقبل قادم إلى الآن.

ما يهمني في هذه النقطة أن أوضحه … ليس هناك سلوكيات يقوم بها المرء عادة بدوافع واضحة، بدأً من التحركات الدقيقة التي يتعامل فيها مع المعطيات المادية، خوفه وقرفه من جهة، ومتعته وانجذابه من جهة أخرى ، وانتهاءً بتكوين المعتقدات الدينية والنهائية عن العالم وتكوين السلوك الذي سيتعامل فيه ضمن زمنه ومع مجتمعه … هذا كله ليس من عمله، كله من عمل اللاشعور.

"وبعد أن امتلأتُ بكل أسباب الغياب … أنا لستُ لي"

فلا يكفي السلوك الظاهري للحكم على شخص ما أو على أحد بنواياه الحقيقية، وإذا كان سلوكه (يبدو لك) نافعاً، فعليك التفريق بين وجود هذا الشخص كموضوع وظيفي لا يختلف عن الآلة النافعة بشيء، وبين وجوده الذاتي والإدراكي والذي يحيا فعلاً وبه يختار فعلاً….                                                                                                                                                                        دمتم طيبين والسلام.                    

0 التعليقات:

إرسال تعليق