الثلاثاء، 18 أكتوبر 2022

الخوف من الهجر




 متلازمة الهجر


 من لا يفي بوعده يستحق الهجر


 تشي اليد المحصورة تحت الإبط الأيسر أو الأيمن دائماً بالخوف من الهجر سواء كان الفرد متفائلاً أم متشائماً، وتشير راحتا اليدين تحت الإبطين والإبهامين مثنيين عندما يصالب


 المرء ذراعيه إلى الإعياء النفسي الشديد.


 تلخص عبارة «هجرته مخافة أن يهجرني» منطق المصاب برهاب الهجر. إن متلازمة الهجر (في الاتجاهين) هي مشكلة اجتماعية حقيقية في زمن أصبح فيه الطـلاق مؤسسة، لا بل حقاً مكتوباً في ميثاق الزوجين الجديد. اكتشف Charles Odier هذه المتلازمة على وجه الخصوص وأطلق عليها اسم «عصاب الهجرة في عـصـر كـان فيـه هـذا العـصاب مرتبطاً ارتباطاً أساسياً بمواقف انفصال قديمة عايشها مرضاه معايشة أليمة، وتطورت هذه المتلازمة تطوراً فريداً في غضون ربع قرن واندرجت في طرق التواصل ما بين الأفراد المميزين، انعاود الاتصال مع بعضناه !on se rappelle: وهـو مـثـال شـفـهـي علـى طريقة الهجر، وأعنونه: تتبعني، أهرب منكه Suis-moi, je te fuiss». لا يمثل الضمير «on» شخصاً محدداً، فإذا أنت لم تعاود الاتصال معي فالغلطة غلطتك لأنك لا تساوي اتصالاً هاتفياً إضافياً. تلك هي الترجمة الواضحة لتعبير الهجر «نعاود الاتصال مع بعضنا». وإذا كنت لا أريد أن أهـجـر فينبغي أن أسير في أثر أولئك الذين يهربون مني لكي أكون موضع ترحيب ضمن الجماعة. اشتريت خلال فترة التنزيلات سترة من الجلد الأسود مع رقعة بيضاء على الكمين كالتي يرتديها مطربـو الـروك أند رول. والحمد لله أنها تليق بي جيداً. ومنذ بضعة الأيام كنت أتنزه بصحبة أولادي وأستمتع بالوقت الذي أمضيه في أحـد أماكن البيع التي تعمل حسماً على سلعها. فمررت بجنـاح الـدراجات النارية من ماركة هارلي دافيدسون فإذا بجميع الراكبين لهذه الدراجات يرتدون سترة من الجلد الأسود مع رقعة بيضاء على الكمين، فحيوني كأنني واحد منهم، ولم أدرك إلا بعد فوات الأوان بأنهم خدعوا بسترتي الجميلة السوداء التي اشتريتها في أثناء فترة التنزيلات من أحد المحلات الباريسية الواقع 4 شارع Rennes. لست أملك دراجة نارية ولكنني أصبحت على الفور فرداً في الجماعة بفضل سترة الجلد الجميلة، فالمظهر يعكس المخبر أياً كان رأي العقول النيرة. بي.


 تقول ساندرین: لقد اعتدت الاتصال هاتفيا بمعـاري مـن الوسط المهني، وكنت أصعق عنـدمـا يـرن الهاتف على الطرف الآخر من الخط، لم يكن أحدهم ليتحمل مشقة الرد على الهاتف، فأخذت ، دون قصد بطريقة: «تهرب مني ، أتبعك» (Fuis-moi, je te suis)، وكنت أتألم لهذا الأمر. بدأت أخيرا بإرسال رسائل إلكترونية لكي أتواصل بفاعلية أكبر وقطعت هاتفي المحمول حتى لا أعود إلى الاتصال من جديد. وبالتدريج أصبحت لا أمس مباشرة، فمعارف يتصلون بي عن طريق الرسائل الإلكترونية وأنا أرد عليهم بالطريقة نفسها، تفتقر هذه الطريقة إلى الحرارة البشرية ولكن الوقت في نظر الجميع سلعة غالية الثمن، وأصبحت طريقة «تتبعني، أهـرب منك: (Suis-moi, je te fuis ) هي القاعدة المتبعة. أشعر بحرمان من الاحتكاك البشري ولكن


 ماذا باستطاعتي أن أفعل؟


 نعيش اليـوم في مجتمع حرفي رقمي حلـت فيـه الرسائل الصوتية ذات الخيارات المتعددة محل الصوت البشري، وأصبح الشعور بالهجر شعوراً عاماً ، وراح يرسخ شيئاً فشيئاً في لاشعور الطبقات العاملة، ولم ينج منه سوى الأحداث والمسنين، فما زال هؤلاء يستطيعون قضاء ساعات طويلة على الهاتف دون أن يهتموا باستثمار وقتهم في كسب


 المال.


 تدل متلازمة الهجر هذه على تشاؤم مجتمع يؤثر المؤامرة، ويفترض الذئب بدل البراءة. فينكفـى الفـرد على نفسه ويقـضـي ثـلاث ساعات ونصف يومياً في استهلاك الـصـور التلفزيونية، إن التشاؤم في طريقه لكسب المعركة ضد التفاؤل، المعركة فقط وليس

 الحرب، كما أمل.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دمتم طيبين والسلام.  

0 التعليقات:

إرسال تعليق