الخميس، 3 نوفمبر 2022

الولاء الخفي


الولاء الخفي


 فيه مصطلح نفسي مهـم بنـسـتخـدمـه أحيانا، اسمه (الولاء الخفـي Invisible Loyalty).. بمعنى إننـا بيكون جوانا بشكل غير واعي اخلاص وولاء لحكايات آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا.. وبنحاول من غير ما ناخد بالنا نكرر الحكايات دي بطرق مختلفة، كأننا بنؤكد ليهم من داخلنا إننا أوفياء ومخلصين.. وإننا ما زلنا وسنظل على عهدنا معاهم.


 أنا اتكلمت قبل كده في كتاب (الخروج عن النص) عـن التكرار الشهري.. وازاي ممكن واحد يعـدي بتجربة صعبة، أو خبرة مؤلمة، أو اختيار خاطئ، وييجي بعدها وبشكل غير واعـي أيضا يكرر نفس التجربة الصعبة بتفاصيلهـا، ويعدي بنفس الخبرة المؤلمة بحذافيرها، و يختار نفس الاختيار الخاطئ كما هو (مع نفس الشخص أو شخص ريه).. كأن الواحـد عاوز يصلح اللي فات من خلال تكراره (يمكن المرة دي أقدر أغيره)، أو ينتقم من اللي أذاه في حد تاني شبهه (ما هو كلهـم زي بعض)، أو ينتقم من نفسـه بتكرار تعريضها للأذى (أنا ما استاهلش غـيـر كـده)، أو يضحك على نفسـه ويصور لها إنه مسيطر ومتحكم في الأمور (أنا بتأذي بس بمزاجي).

(الولاء الخفي) بقى هو (التكرار القهري) بس على مستوى العائلات والأجيال.. يعني البنت تكرر نفس تجربة الأم.. والأم تكون مكررة نفس تجربة الجدة.. الأبن يكرر نفس تجربة الأب.. والأب يكون مكرر نفس تجربة الجد.. وهكذا.. لأجيال كتير سابقة ولاحقة.


 ويبقى فيه سيناريوهات عائلية متكررة عبر الأجيال.. لمجرد إن (شخص مـا) في (جيل ما)، تعرض لصدمة نفسية معينة، أثرت عليه بشكل كبير.. خـلاه ينقل الأثر ده من جيـل لآخر بطرق بعضها واضح وبعضها خفي.. بيسموا الصدمة دي (صدمة عابرة للأجيال) .Transgenerational Trauma


 خليني أوريك بعض صور الولاء الخفي وسيناريوهاته المتوارثة.


 سيناريو الزواج الفاشل:


 ده من أشهر صور (الولاء الخفي) وأكثرها شيوعا.. وبيبدأ بإن الأم كان زواجها فاشل.. ومليان مشکلات وصراعات.. وكانت مظلومة ومقهورة وعايشة في جحيم يومي لا ينتهي.. تكبر بنتها وهي خايفة ومترقبة من الـزواج.. وفي نفس الوقت جواها (ولاء خفي) لوالدتها، اللي «ماينفعش تفشـل لوحدها».. و«ماينفعش هي : تفشل في جوازها وأنـا أنجح في جوازي».. و«مستحيل هي تتظلم وتتقهـر وأنا أفرح وأتبسط».. فتعمـل إيه؟ إما إنها تختـار (بعقلها الباطن) اختیار ســی وترتبط بيه، فيطلع عينيها ويكفر سيئاتها، ويظلمها ويقهرها ويذيقها الأمرين، وإما إنها تفتعل الصراعات وتؤجج ا المشكلات لغاية ما تطلع منه أسوأ ما فيه، وتفشل حياتها الزوجية بالفعل.. وتبقى كده مشيت على الصراط.. وأوفت بالعهد.. اللي عاهدت بيه أمها في يوم من الأيام دون وعي أو تفكير. مع جوزها،الولد اللي بيتربى في بيت عليـه يافطة الجواز مـن بـره، لكنه مليان طلاق نفسي من جوه.. وفـاؤه وولاؤه لأبوه وأمه ممكـن يخلوه يكرر المس حكايتهـم بـكل تفاصيلها.. ويعيش نفسـه ومراته وأولاده حياة المة بائسة، محاطة باليأس من كل جانب.


 ما السيناريو ده ممكن ياخد صور كتير تانية.. يعني البنت دي بدل ما أعيش في سلبية أمهـا، ممكن تحاول تاخد (من جوزهـا) حق أمها اللي ما عرفتش تاخده (مـن أبوها).. فهي اللي تطلع عينه وتكفر سيئاته ونگرهـه في نفسـه.. ممكـن كان تقود حياتها الزوجية نحـو الطلاق، علشان تعمل اللي أمهـا ماعرفتش تعمله.. وممكـن طبعا ماتتجوزش املاً.. وكل مـا يتقدم لهـا عريس، تلبسها كل عفاريت الأرض.. وهكذا.


 الولد ده كـان بـدل ما يكـرر حكاية والديـه بحذافيرها، ممكن يغيّر فها بعض التفاصيل، أو يبذل بعض الأدوار.. لكن داخل نفس الحلقة المفرغة.


 ويورثوا لأولادهم وأحفادهم نفس السيناريو.. ويمرروه لأجيال كثيرة مقبلة.


 سيناريو نفس الوظيفة:

 هنا.. بيكون فيـه أب أو أم في أحـد أجيال العائلة، حصلت له صدمة المسـية، أو مـر بتجربة حياتية وصلت له رسالة إن «أحسـن شـغلانة مكن حد يشتغلها هي كذا...»، أو «لو كنت اشتغلت الشغلانة دي، ماکانش حصل ده كله».. سـواء اشتغلها فعلاً، أو حاول وماعرفش.. وبدأ هذا الأب (أو الأم) بدوره يوصل نفس الرسالة لأبنائه وبناته .. لغاية ما صدقوها.. ومشيوا على نفس التراك اللي هـو . حطهم عليه..

وقعـدوا يجروا.. ويهرولـوا.. ويحققوا أهداف.. ويعملـوا إنجازات. مـن غير ما يقفوا ولا حتى يراجعوا نفسهم.. كأن حد بيجري وراهم بالكرباج.. علشان يوصلوا لحاجة هما مش عارفينها.. كأن فيه بينهم وبين أبوهـم أو أمهـم (عـهـد خفي) إنهم يبقوا نسخ منهـم .. أو إنهم يحققوا لهم اللي ماعرفوش يحققوه.


 أنا شفت أم مصرة إن كل أولادها وبناتها يبقوا دكاترة.. مش بس کده .. ده كان لازم يتجوزوا دكاترة.. وبسبب (الولاء الخفي) اللي جوه الأولاد ناحية أمهم.. ده اللي حصل فعلاً.. وللأسف كلهم جوازاتهم فشلت.


 هوس في الحالـة دي، بيكون فيه عند أحـد أجيال العائلة . بشكل الجسم المثالي.. ووزن الجسم المثالي.. وقوام الجسم المثالي.. وبدأ هذا الهـوس بـفـعـل الولاء الخفـي يسري في الأبنـاء والأحفاد، لغاية ما يوصل للجيل الحالي.. ونلاقي بنت في مقتبل العمر، شايفة نفسها تخينة وهي أخف من الريشة.. وبنت تانية داخلة في نظام غذائي قاسي . جدا رغـم إنها لا تحتاجه على الإطلاق.. وبنت تالتة بتاكل وترجع الأكل اللي أكلته علشان وزنها مايزيدش.. لدرجة إني قابلت مرة شابة صغيرة بتحكي لي إن أهلها كانوا حاطين ميزان في كل حجرة من حجرا البيت.. يوزنوا نفسهم عليه كل كام ساعة.. الشابة دي ن نفسها دلوقت مش بتقول لبنتها غير يا «تخينة». ات


 سيناريو الوزن:


 سيناريو التحرش: ده بقى سيناريو صعب جدا.. بتكون فيه الأم اتعرضت وهي صغيرة لشكل من أشكال التحرش الجنسي.. أو اتعرضت وهي كبيرة لما ي بالاغتصاب الزواجي.. اللي بتجبر فيه على ممارسة العلاقة الجنسية : يسمىدي. ار بها رغما عنها وعلى غير رضاها.. وده سبب . لها صدمة نفسية شديدة، سابت فيها أثر عميق وطويل الأمد.. تبدأ الأم بث رسائل الرعب لبنتها،  بشكل مبالغ فيه جدا: «خلي بالك.. إوعى حد يلمسك».. بلاش حد يقرب منك».. «المنطقة خطر».. وده يسبب عند البنت خوف شديد من كل حد وأي حد.و وللأسف، وبكل أسف، المتحرش عرف يلقط البنت الخايفة.. من نظرات عينيها، وتعبيرات وشها، فيهجم عليها، ويتحرش بيها فعلاً، ويسبب لها نفس الصدمة، اب جواها نفس الأثر.. اللي تورثه هي كان لبنتها.. ولكل سلسال اما المقبل.


ابه طبعا سيناريوهات موروثة تاني كتير.. زي (سيناريو الإحساس الأنب).. واللي فيه السمة الأساسية المتكررة في أفراد وأجيال عائلة اهية، هي إنهم بيلوموا نفسهم كتير، ويحسسـوها بالذنب، أو يلوموا لذا فهم كثير، ويزرعوا فيه الذنب زرعا.


کمان (سيناريو القلق والخوف).. واللي فيه تلاقي عيلة كاملة كل أجيالها عايشين على بركان من الإحساس بالقلق من كل شيء، كل والخوف غير المبرر مـن كل حاجة.. والجيـل ده يـورث للجيل ده والجيل ده يستلم من الجيل دخ وهكذا.


سيناريو (راجل يعني سي السيد)، اللي ورثه معظم الرجال (أقصد الثور) في بعض المجتمعات، واللي بيوصل ولاءهم الخفي لآبائهم وأجداهم إنهم يكرروه بشكل قهري رافض لأي تغيير أو تعديل.                                                                                                                                                                                                                                                           من كتاب ل"لأ بطعم الفلامنكو"                                                                                                                                                                                                                                                                                                     دمتم طيبين والسلام.                 

0 التعليقات:

إرسال تعليق