السبت، 5 نوفمبر 2022

هل يوجد اخلاقيات ضارة؟


 إن بحثت عن هذا العنوان في محركات البحث فستجد جميعها مقالات تذكر فوائد التحلي بالأخلاق، ولكن ليس هذا ما يحتاجه الأخلاقيون بزيادة ذوي الضمير شديد التيقظ، الذين من شدة تمسكهم بالأخلاق حرموا وسيحرمون أنفسهم من تحقيق نجاحات أكبر، الذين يبتعدون عن أشياء عادية للغاية بإعتبارها غير أخلاقية بسبب خلطهم الدائم بين الصفات التي تبدو متشابهة: كالثقة والغرور، الإفتخار والتفاخر، التواضع وتحقير الذات؛ لذا سأوضح هنا الفرق حتى لا تمتنع عن الصفة الجيدة بإعتبارها سيئة (جائتني فكرة هذا المقال حينما كتبت سابقًا عن الأنا والأنا العليا، اقرأها أولًا إن لم تكن قرأتها)، خذ نفس عميق واقرأ بهدوء


الثقة بالنفس والغرور


ارفع رأسك، قف منتصب القامة، تحدث بثقة... هذه النصائح ستجدها في المقالات التي تتحدث عن الثقة بالنفس، حينما تبدأ بتنفيذ تلك النصائح، تجد صوتًا غريبًا بداخلك يقول: ما لك تسير وتتصرف وتتحدث بعجرفة، لا تكن مغرورًا!، لتكتشف فيما بعد أننك كنت تمنع نفسك من الثقة لأنك قد تعتبرها بداخلك غرورًا (أو خوفًا من أن يعتبرها الناس غرورًا، وهذا ليس شأني)


وهنا ينبغي أن نعرف الفرق: الواثق هو الشخص الذي يعتز بنفسه ويعرف نقاط قوته وضعفه ويتقبلها، وهو يحترم ذاته وواثق في قدرته على إحداث فارق له ولغيره، أما المغرور فلا يسمى مغرورًا إلا إذا كان يشعر بالعظمة وأنه وصل لمكانة لا يستطع أحد الوصول لها، ويتصرف مع الناس بإعتبارهم أقل شأنًا منه وكأنه في قمة الكون، وغالبًا أنت لن تصل لهذه المرحلة، لأن الغرور عادةً ما يتصف به الجهلاء أكثر من غيرهم، وما دمت تقرأ هذا فأنت لست جاهلًا للدرجة التي تجعلك مغرورًا، إذ أن القراءة هي اعترافًا منك بأن هناك الكثير مما لا تعرفه.


التواضع وكراهية الذات


حينمًا تحقق إنجازًا: لا، أنا لم أفعل شىء، إنجازي بسيط لا يستحق الإفتخار أو نشره أو التحدث عنه.


حينما يمدحك أحد بصفة جيدة فيك فتقول بداخلك: لا، أنا لست كذلك، إنه يجاملني، إنني أقل من أغلب الناس!


توقف، هذا ليس تواضعًا، هذا يسمى كراهية الذات أو ضعف تقدير الذات وأحيانًا يسمى متلازمة المحتال (إن كنت تظن أنك لا تستحق الإنجاز الذي حققته أو أنه جاء بالحظ)


المتواضع يعترف بإنجازاته ويقدرها ويفتخر بها كأي شخص، هو يعرف قيمته جيدًا، ورغم ذلك يظل يعامل الناس بمحبة ومودة وليس بتكبر وغطرسة، يستمع لآراء الناس ويحترمها وينصت لهم.


إذن تقدير إنجازاتك والإفتخار بها لا يتعارض مع كونك متواضعًا، لحظة...هل تحدثت عن الإفتخار؟ اقرأ النقطة التالية


الإفتخار بالإنجازات والتفاخر المذموم


في بداية الحجر الصحي، دخلت لإحدى مجموعات فيسبوك المختصة بالكورسات، فوجدت فيها آلاف الناس ينشرون شهاداتهم التي حصلوا عليها من مواقع مثل إدراك وغيرها ويتحدثون عن إنجازاتهم، بل وحتى إن نشروا مقالة على الإنترنت كالتي تقرأها الآن ينشروها وكأنه إنجازًا عظيمًا


لقد كرهت ذلك فيهم، لماذا نشر الإنجازات والتفاخر على الناس بهذه الطريقة؟ اكتشفت فيما بعد أنهم على صواب وأنني كنت مخطىء، دعني أوضح السبب


نشر الإنجازات هو شىء مفيد لك سواء من ناحية تقدير الناس لك أو في مسيرتك المهنية، وقد لاحظت الفرق حولي بين نظرة الناس للشخص الذي ينشر إنجازاته ونظرتهم للشخص الذي حقق إنجازات أكبر ولكن لم ينشرها أو يتحدث عنها، والفرق واضح: الناس يعاملونك حسب ما تظهره لهم


نشر الإنجازات هو بمثابة مشاركة لفرحتك، هو يعني تقديرك لإنجازاتك، وقد يحفز أشخاصًا آخرين على تحقيق إنجازات مثلك. يصبح فقط مذمومًا إن كان غرضه التكبر أو الإستعلاء والتقليل من شأن غيرك.


لذا،


تحدث وسِر بثقة...فهذا ليس غرورًا


ولا تقلل من شأنك أو شأن إنجازاتك..فهذا ليس تواضعًا


أنشر إنجازاتك وافرح بها مع غيرك..فهذا ليس تفاخرًا مذمومًا.


إذن، تكون أخلاقك ضارة إن بالغت فيها للدرجة التي جعلتك تظلم نفسك وتخلط بين الصفات الجيدة والسيئة والتي تبدو متشابهة، كتبت هذا كي لا تقع في فخ ظلم نفسك وإفشالها تحت مسمى الأخلاق.                                                                                                                                                                                                                                                          دمتم طيبين والسلام.      

0 التعليقات:

إرسال تعليق