الأربعاء، 16 نوفمبر 2022

من حقك تزعل وتتضايق.


حق الحزن , ممكن نعتبر دا تكملة لمقال الحزن الدافئ

إليك هذه المفاجأة..

إنت من حقك تحزن.. أيوه.. تصور..

اتربينا واتعلمنـا إن الحـزن عيب.. الحـزن ضعـف.. الحـزن غلـط.. مع إن الحـزن مشـاعر إنسانية ربنا خلقهـا فينـا زيها زي الفـرح وزي الغضب وزي الخـوف.. لكننـا بنـهـوى نكون آلهـة أو أنصـاف آلهـة.. لا تضعـف.. ولا تفشـل.. ولا تحـزن ..


"خليك راجـل، مـا تعيطـش".. "يـا بنـت عيـب تدمعـي كده قدام الناس".. "يا جـدع اجمـد أمـال".. دي الرسايل اللي بتوصلنـا عـادة خلال التربيـة.. وخلال التعليـم.. وطبعـا مـن خـلال مجتمعنـا اللي بيعودنـا نمـارس إنسانيتنا وحقيقتنـا خـلـف الجدران، ونمـارس تشـويهنا لنفسنا وتزييفنـا ليهـا في الشوراع وأمـام النـاس..ولا يملك الأبوين في اللحظة دي غير إنهم يفتحـوا ليهـا قلوبهـم، وعقولهـم.. وكمان حضنهـم الشـافي.. الـلي بيجمعهـم مـن ثـاني.. والـلي في نفس الوقت بيجمع كل أجـزاء (رايـلي عـلى بعـض في كل واحـد جديد وجميـل: (الفـرح).. (الخـوف ).. (الغضـب)..


 (الاشمئزار).. و(الحـزن)..


 (الحزن).. الأزرق الدافئ..إمتى آخر مرة حضرتك حزنت؟ كتير جدا طبعا..


 لكـن إمتـى آخـر مـرة حضرتـك سمحت لنفسـك تعيـش حـزنـك بجـد؟ قليـل جـذا..


 طيـب إمتـى آخـر مـرة قبلت حزنك ومـا خـفتـش مـنـه أو حاولت تنكره؟ أقل بكتييير..


 أنـا طبعـا مـش باتكلـم عـن الحـزن الـلـي هـو العيـاط والسـح والشحتفة.. أنا باتكلـم عـن الحـزن الـلـي هـو حالة إنسانية عميقة جـدا مـن الشجن والألم.. مليانة مراجعـة للنفس.. وتأمـل داخـلي حقيقي.. وعـودة هادئة إلى قواعـدك، تلتقط فيها أنفاسـك.. لتبـدأ من جديد..


 الحزن حق.. زي ما الفرح حق.. والخوف حق.. والغضب حق..


 مـا ينفعـش أقـص حتـة منـي بكل بساطة كده، وأرميهـا أو أتخـلى عنهـا لمجـرد إنهـا بتوجـع.. النهاردة أقـص الحـزن.. بكـرة أقـص الخـوف.. بعـده أقـص مـا تبـقـى مـن إنسانيتي وطبيعتى البشرية الحقيقيـة الضعيفـة.. ومـش هايفضـل منـي غـير شـتات.. ورمـاد..


 وبقايا مهلهلـة..


 مـن حقـك تحـزن.. زي مـا هـو مـن حقـك تـفـرح.. ومـن حقـك تغضـب.. ومـن حقـك تخـاف..


 ففـي بعـض الحـزن حكمـة.. وفي بعـض الحـزن نـور.. ومـن بعـض الحـزن يولـد الأمـل..بس بعـد شـوية.. وعي الطفل بيوسع، وعقلـه بيكبر، ومداركه بتزيد.. ويبدأ يكتشف إنه علشان يعيش في الدنيا دي، مهـم إنـه يقبـل (الفقـد).. فقـد أمـه.. فقـد الآخـر.. أي آخـر يقربلـه ويحبـه ويطمـن لـه..


 يكتشف إن لعبة الحياة لعبة مؤلمة.. وإن لـو ليها قوانين.. فأول قوانينها، هو قانون (الفقـد).. فقـد أي حـد... وأي حاجـة..


 وبنكـون وقتهـا في اختيار صعـب جـدا.. يمكـن أصعب اختيار في حياتنا..


 إما أننـا نـرجـع لـورا.. لنمط علاقاتنا القديمة.. اللي فيهـا يـا إمـا نقـرب قـوي لغايـة مـا ندوب في اللي بنقربله، يا إمـا نبـعـد قـوي، وما نعملـش علاقة حقيقية أصـلا..


 أو إننـا نـقبـل احتمالات (الفقـد).. ونستحمل (ألمـه).. ونكمـل..


 حتـى لـو موجوعين..


 أو نفضل مترددين بين الاختيارين.. طول عمرنا..


 اللي بيختار الاختيار الأول بيكـون مـشروع مريض نفسي جاهـز للتنفيذ في أي لحظـة.. الـلي بيفضـل مـتردد برضـه بيكـون مـشروع مريض نفـسـي مـن نـوع آخـر..


 أما اللي بيقرر إنه يقبل.. ويستحمل.. ويكمل.. فده هو اللي قرر (يحيا)..مش بس (يعيش)..


 ودي أعلى درجـة مـن درجـات النمو النفسي.. واسمها - للمفاجأة- (الموقف الاكتئابي)..هاتسألني دلوقت: يعني مطلوب مني أسيب نفسي للحزن والألم كل شوية؟


 لا طبعا.. مش ده المقصود.. المقصود إنك تسمح لنفسك تعيـش مشاعرك زي مـا هـي، في وقتهـا وبجرعتهـا المناسبة.. من غير ما تهرب منها، أو تنكرها، أو تعتبرهـا مـش موجـودة، أو حتى تغـرق فيهـا لـوحـدك.. مطلوب منـك تسمح لنفسـك تعيش إنسانيتك وحقيقتـك.. مـن غير اختزال أو تشـويه أو نقصان.. وبرضـه مـن غير مبالغـة أو تضخيم أو استفزاز..


 مـن حقـك تحـزن (مـن غير شحتفة).. زي مـا هـو مـن حقـك تـفـرح (من غير خيلاء).. ومـن حقـك تغضب (مـن غـيـر فـجـور).. ومـن حقـك تخاف (مـن غـير مـا الخـوف يسحقك)..


 جربت ده قبل كده؟


 غالبًا لأ..


 طيـب جـرب وهاتعرف بنفسك إنت كنـت حـارم نفسـك مـن إيـه.. وما تنساش توصـف- وبدقة شديدة جدا- النفس الطويل العميق الـي هـا تـاخـده جنب أول حـد يحس بيك ويونسك ويربـت عـلى كتفك ..


 دي مش دعوة للحزن..


 دي دعـوة لقبـول (الحـزن) كشعور إنساني حقيقي وأصيـل.. مـش الهروب منـه.. أو تجاهلـه.. أو الغـرق فيه وفي وحدتـه وسـواده..دعـوة إنـك ترجع كل حتـة منـك لمكانهـا.. وتسيبهم يقربـوا مـن بعـض.. ويتلملمـوا.. ويلتحمـوا.. ويلتأمـوا.. في كل واحـد صحيح..


 وجميـل.. وحكيـم.. ومبـدع..


 دي دعوة للحياة..


 ففي الفرح حياة..


 وفي الحزن أيضا حياة..


 (5)


 الفقد الأول.. والفقد الأخير..


 أول تجربة (فقـد) بنتعرض ليهـا في حياتنـا هـي تجربة فقـد (الأم).. أو بألفاظ أدق: تجربة الفقـد المحتمـل لـلأم..


 الطفـل بيعيش فترة من حياتـه (غالبا أول سـت شـهـور مـن عمـره) في حالة رعب فظيع إنـه يفقـد أمـه.. الـلي هـي بالنسبة لـه كل العالم وكل النـاس.. ويكـون جـواه سيناريوهات وتخيلات كتيرة جـدا عـن فقدها أو اختفاءهـا أو موتهـا.. الفترة دي بالنسبة لـه فترة خـوف وشـك وارتيـاب مـن أي علاقة، وأي آخـر.. يخاف يقـرب مـن أي . حد - حتى منها هي شخصيا- أحسـن يفـقـده.. ولـو قـرب، يخاف يبعـد، أحسـن يفقـد نفسـه ويدوب في الألم.. دوامـة رايحـة جايـة مـن القـرب والبعد، والكر والفـر.. والراحة والوجع.. فترة صعبة ومعقدة ومليانة مخاوف وشكوك .. لدرجـة إنهـم بيسموها


 (الموقف الارتيابي)..اسم غریب.. مش كده ؟


 لا هو مش غريب ولا حاجة..


 هو اسمه (اكتئابي) علشان بيكون فيه ألم..


 ألم رؤية الحياة بجوانبها الكثير.. الخير والشر.. الأبيض والأسود.. الصـح والغلط..


 ألم قبول (الفقد).. وقبول (التغيير).. وقبول (الموت)..


 ألم قبول النفس بكل ما فيها.. وقبول الآخر بكل ما فيه..


 ألم البصيرة.. ألم التأمل.. ألم الحكمة..


 ومن وقتهـا.. نتعلم إن كل خطوة في حياتنا بيكون فيهـا (فقـد)..


 وعلينـا إننا نقبلـه..


 نكبر ونشتغل ونتجوز ونخلف..


 لكـن تفضـل احتمالات الفقـد قائمـة كل يوم.. وكل ساعة.. وكل لحظـة..


 نفقد طفولتنا وذكرياتها..


 نفقد لعبنا، وأوضتنا، وسريرنا الصغير..


 نفقد حبايبنا وقرايبنا وأهلنا..


 نفقد بيتنا وشارعنا.. وساعات بنهاجر.. ونفتقد بلادنا..


 ومهما حاولنـا نـهـرب مـن ده، أو ننكره، أو نستخدم شوية دفاعات نفسية علشـان مـا نحسش بيه.. هاتفضـل الحقيقـة الـلي مـا فيـش


 منها أي مهرب.. أي مهرب..وتتحـول الحيـاة إلى حالـة مـن التأمـل الداخـلي.. المصبـوغ بـألم الرؤية.. ودرجة عاليـة مـن السكينة والهدوء.. اللي فيهـم شجاعة الحـزن وبسالته.. وقـدر هـائـل مـن القبـول .. لكل شيء.. وأي شيء..


 ارجع كده بقى للفيلم.. واكتشف معايا إن العمق الحقيقـي ليـه مـش هـو أبدا العبقرية في ترجمة المعلومات العلمية إلى أحـداث وشخصيات ومشـاهد، مـن أول المشـاعر الخمسـة، والذكريات الأساسية، وجـزر الشخصية، وقطـار الأفكار، وتكويـن ووظيفـة الأحـلام..


 كل ده ممكـن تقـراه في أي كتاب علمي مبسط وملون للأطفال في أي مكتبـة عامـة في شوارع أي دولة غربية..


 العمـق الحقيقي للفيلـم هـو: (قبـول الفقـد).. هـو لحظـات الـ


 Letting go


 وراجع معايا كل المشاهد الفارقة في الفيلم..


 (رايلي) تعبت علشان ما قبلتش (فقد) بيتها..


 (رايـلي) قررت ترجـع وتنكـص وتتفكك علشـان مـا قبلتـش فـقـد طفولتهـا وذكرياتهـا مـع أهلهـا وأصحابهـا..


 أهلها ظلموهـا لمـا كـانـوا مـش بيسمحوا ليهـا تعبر عن حزنهـا وألمها لفقـد أي حاجـة.. وكانـوا بيعلموهـا وبيطلبوا منهـا طـول الوقـت إنها تفضـل سعيدة ومبسوطة وبتضحـك..


 لكن..(رايلي) اتغيرت لما قبلت فقد البيت والطفولة والأصحاب..


 وصاحبهـا الخيالي (الفيـل سـاعدها لمـا هـو كـمان قبـل يفقدهـا ويفقـد عربيتـه الجميلـة الطائـرة..


 وأهلهـا قدمـوا ليهـا أحـلى هدية لما سمحوا ليهـا تكـون نفسها وتحـس بـألم وحـزن (الفقـد).. وحسـوا بيـه معاهـا..


 ده الفيلم.. ودي رسالته..


 ودي برضه رسالة الفصل ده..


 الفقد حق..


 الحزن حق..


 قبول الفقد.. نجاة.. قبول الحزن.. حكمة..                                                                                                                                                                                                                                                                                        دمتم طيبين والسلام.                                                                                                    

0 التعليقات:

إرسال تعليق