الأربعاء، 16 نوفمبر 2022

مـا تزعلش!

 

باتخـض جـدا لمـا أشـوف كتاب عنوانـه: "كيـف تتخلـص مـن أحزانـك؟".. أو: "لا تقلـق"..


باتخـض أكثر لما ألاقـي حـد عـمال يطبطب عـلى حـد بشكل مبالغ فيـه، أو يخفـف عنـه بطريقة سطحية مليانة اختزال لمشاعره بكلام من نوعية: "ما تزعلش يـا راجـل".. "اضحكي بس كده".. "خليك فرحـان عـلى طـول"..


يعني إيـه مـا تزعلش أو ما تحزنـش أو ما تتألمش؟ الـلـي هـو إزاي يعني ؟


الحـزن مشـاعر زيهـا زي الفـرح بالظبـط.. والألم تجربـة إنسانية فريدة بتكبر صاحبها وتفتح عينـه وتغيره.. هـو ينفع أعيـش بجـزء واحـد مـن إنسانيتي وألغـي باقـي الأجـزاء؟ هـو ينفع إني أتجاهـل شـعـور مـن أهـم وأعمـق المشاعر الحيـة على الإطلاق وأعتبره مـش موجـود أو حتـى وجـوده مرفوض لمجرد إنـه مـؤلم شـوية؟ أو بيوجع شويتين؟


فيلم Inside Out بيجـاوب ببساطة شديدة جـدا عـلى الأسئلة دي.. ويقولنـا بـصـوت عالي: "لأ مـا ينفعـش".. "لأه(1)


 أول رسالة استقبلتها (رايلي) الطفلـة المولودة حديثـا مـن أبوهـا كانـت :"ألسـتي قطعـة مـن الفـرح؟".. وكانـت الرسالة التانيـة اللطيفـة جـدا الـلي أمها بتوصلهـا ليهـا دايمـا وقـت الشدة والحـزن: "يجـب أن نبقـى مبتسمين فذلـك يساعدنا".. Keep smiling happy girl


 علشان كده (رايلي) الصغيرة قررت تسلم دفـة عالمهـا الداخـلي لنوع واحـد بـس مـن المشاعر.. النوع اللي اتربت واتعلمـت إنـه لازم يفضـل موجـود عـلى طـول.. حتـى في أشـد الأوقـات وأحلـك الظـروف: مشـاعر (الفـرح).. وقـررت إنهـا تـحـاول بكل طريقـة تخفـي أو تنكـر- وساعات تحارب - أي نـوع تـانـي مـن المشـاعر الإنسانية الطبيعية زي (الخـوف) و(الغضب) و(الاشمئزاز).. وطبعا وبشكل خـاص جـدا (الحـزن).. (رايـلي) قررت إنهـا مـا تحزنـش.. أبدا..


 (۲)


 تمر الأيام وتكبر (رايـلي) وتضطر إنهـا تواجـه أول تجربة (فقـد) في حياتها.. لما أسرتهـا تقـرر تسيب البيـت الـلي عاشـت فيـه سـنين طويلة وتنقـل لبيـت جـديـد في ولايـة ثانيـة.. وبالرغـم مـن إن أي طفل في موقف زي ده مـن حقـه يحزن ويتألم لفقـد مـكان طفولته وذكرياتـه وأهـم وأجمـل سـنين عمـره، إلا إن (رايـلي) حاولـت بكل طريقة توقـف السريان الطبيعي لمشاعر الحـزن جواهـا.. واستخدمت في سبيل ده كل ما أوتيـت مـن وسائل دفاعية نفسية..واستحضرت كل ذكرياتها المبهجة.. قرأت كتيبات الإرشاد، وكتبت قالمة بكل الأمور اللي بتسعدها.. وعافرت مع نفسها بشدة للتأقلـم مع الوضع الجديد.. وكانت شعاراتها طول الوقت، دانا هناك طريقة لقلـب الأمـور وإيجاد المتعـة".. "كـوني سعيدة".. "لا تقلقـي".. "سنتأكد أن غـدا هـو يـوم عظيـم آخـر".. "وبـدوره سيصبح عامـا جميلا، إلى أن تصبح الحيـاة بأكملهـا جميلـة"..


 (رايـلي) - ببساطة- مـا ديتـش نفسـها (حـق الحـزن)، وحاولت تحجمـه وتمنعـه وتنكـره وتحاصره في دائرة صغيرة جـوه حتـة بعيدة جواهـا.. (رايلي) مـا سـمحتش لنفسها تتألم (ألم الفقـد)، ولا حتى تحسـه.. ولو في أحلامها.. زي مـا شـافت، وزي ما اتعلمت.. وزي ما وصلهـا مـن أبوهـا وأمها.


 لكن.. وزي ما هو متوقع.. أي خناقة بينك وبين نفسك هاتطلع منها خسران.. وأي محاولة لتجزئة نفسك وتقسيمها والتخلي عـن بعض منهـا لـن تنتهي إلا بالفشـل.. وأي إنكار أو تحجيـم لـجـزء أصيـل مـن تكوينـك مـش هايكـون ليـه أي نتيجة غير الانهيار. . وده اللي حصـل مـع (رايـلي).. الـلـي عنـد لحظـة فارقة، انهارت.. واتلخبطت.. واتفككت.. تصرفاتهـا بقـت غريبة، مشاعرها بقـت غير مناسبة، وأفكارهـا بـقـت مـش طبيعيـة.. حتى أحلامها.. بقـت ملخبطة..


 وبدأت رحلة (رايلي) جـوا نفسها... علشان تشوف حل.. وتدور


 على طريق للرجوع.. في الرحلة دي، كان على مشاعر (الفرح) ومشاعر (الحزن) إنهـم يقربـوا مـن بعـض أكثر، ويعرفوا بعـض أحسن، ويوصلـوا بـاي شكل- لبر الأمـان..(۳)


 (الفـرح) في الرحلـة دي كانـت بـتـمـارس الـدور الـلـي هـيـه عارفاه ومتعـودة عليـه ومـش بتلعـب غيره، وهـو إنهـا تبـذل مجهـود رهيـب في إضفـاء جـو البهجـة عـلى كل شيء.. والتخلـص مـن أي (حـزن) على الإطلاق.. لكنهـا في الحقيقـة بتكتشف في الرحلـة - وبنكتشف معاهـا- تفاصيل جديـدة، ووجـوه مختلفـة، وأبعـاد أخـرى.. (للحـزن)..


 (الحـزن) كانت مثقفة أكثر.. كانت لابسة نظارة.. مـن كـتر شغفها بالقرايـة والمعرفـة.. علشان كده كانت مليانـة هـدوء وحكمـة.. أيوه حكمـة..


 (الحزن) هـي الـلي كانت عارفة طريـق العـودة لمقر قيادة العالم الداخلي، وكانت بتقـوم بـدور المرشـد والدليل.. وساعات المنقذ بعيـد النظـر..


 (الحـزن) هـي الـلي حست (الصديق الخيالي/ الفيـل) وقـت مـا زعل وتعاطفت معاه وإدتلـه الفرصـة يبكي ويتألم عـلى (فقـد) عربيتـه الجميلة، على عكس (الفـرح الـلي حاولت- كعادتها- تطبطـب عليه وتشغله عن حقيقة مشاعره.. علشان تتحول دموعـه لقطع جميلـة مـن الحـلـوى.. في مشهد رائع ينتهي بأنهم يقدروا يلحقـوا قطار الأفكار الأخير إلى مقر القيادة .


 (الحـزن) كانـت صاحبـة كل الأفكار الإبداعية الجديدة في حلـم (رايـلي) علشان تخليهـا تصحـى مـن النـوم..وفي الوقـت الـلـي قـررت (رايـلي) فيـه أنها ترجع لورا شـوية - تنكص بلغـة الطـب النفسي- وتهـرب مـن بيتهـم الجديد، وتروح للبيـت القديم.. في محاولة يائسة للهروب مـن حـزن وألم (الفقـد).. يجـي أروع مشاهد الفيلم.. اللي فيه (الفـرح ) تسمح لنفسها أخيرا بـ (الحـزن)، وتسيب نفسها تتألم لفقـد بيتها القديم، وفقـد طفولتها الـلي مـش هاترجـع تـاني، وفقـد أصدقاءهـا ووجودهـا معاهـم.. وتكتشـف (الفـرح) إن (الحـزن) سـاعات بيكـون مـعـاه شـجن.. وساعات بيكون معـاه ونـس مـن القريبين. . ومساعدة مـن الآخرين..


 وفي درس عبقـري.. يقرر (الصديق الخيالي/ الفيـل هـو كـمـان أنـه يقبـل (الفقـد)، ويقبـل (الحـزن) ويقبـل (الألم).. لما يضحي بمكانه في عربيته الجميلة الطائرة، علشان يخفف عنهـا الحمـل، ويهـون عليها الطيران.. ويزرع في ( الفرح) الأمـل مـن جـديـد.. أمـل معجون (بالحـزن)..


 وتتسلم (الحـزن) قيادة دفة (رايلي).. علشان تديهـا مـن شـجنها وثباتها وحكمتها.. وتصبغها بلونها الأزرق الدافي.. ويكون السماح بوجودهـا هـو الطريقة الوحيدة اللي تثنـي (رايـلى عـن فـكـرة الهروب وترجعها لأسرتهـا تـاني..


 وفي مشهد ختامـي رائـع.. تسمح (رايـلي) لنفسها بالتعبير عـن حزنهـا (لفقـد) بيتهـا، و(ألمهـا) للبعـد عـن أصدقائها، و(اشتياقها) لطفولتهـا وذكرياتهـا.. وتبكي (رايلي).. ودموعها تنهمر زي اللؤلؤ على خدها.. وتطلـب مـن أبوهـا وأمهـا بكل صراحـة إنهم يحسـوا بيهـا ومـا يطلبـوش منهـا تفضـل (سعيدة) على طـول.. ومـا يغضبـوش مـن (حزنهـا).. وإنهـم يدوهـا الحـق في (الألم)..ولا يملك الأبوين في اللحظة دي غير إنهم يفتحـوا ليهـا قلوبهـم، وعقولهـم.. وكمان حضنهـم الشـافي.. الـلي بيجمعهـم مـن ثـاني.. والـلي في نفس الوقت بيجمع كل أجـزاء (رايـلي عـلى بعـض في كل واحـد جديد وجميـل: (الفـرح).. (الخـوف ).. (الغضـب)..


 (الاشمئزار).. و(الحـزن)..


 (الحزن).. الأزرق الدافئ..                                                                                                                                "علاقات خطرة"                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  دمتم طيبين والسلام.            

0 التعليقات:

إرسال تعليق