الجمعة، 4 نوفمبر 2022

سلسلة الأحداث


 فكرة وشعور وحركة ورد فعل حضرتك بتقوم بيه.. إزاي؟! حضرتك في مكان ما في عز الصيف وهاتموت من العطش.. وواحد جايبلك كوباية ماية ساقعة مثلجة.. وواحد تاني مستنيك علشان يسألك على حاجة.. هاتختار إيه؟ مهم الأول إنك تنهي احتياجك للعطش (موقف غير منتهي)، وبعدين تتجه لصاحبك اللي مستنيك تشوفه عاوز إيه.. تصور لو عملت العكس.. هاتكون معاه وانت عطشان.. ومش مركز.. ومستعجل.. هاتكون معاه بجزء منك.. مش بكليتك. . مش بكامل وجودك، ولا بكامل طاقتك، ولا بكامل إمكاناتك..


 شوف بقى انت جواك كام موقف غير منتهي.. من أيام طفولتك لغاية النهاردة.. وتصور كل موقف منهم وهو شغال جواك في إحدى طبقات وعيك زي شريط السينما المتكرر بدون توقف. شوف كام حوار بتعمله بينك وبين نفسك كل يوم وكل ليلة مع حد مش موجود.. شوف قد إيه من طاقتك مستنزف.. قد إيه من تفكيرك مستهلك.. قد إيه من مشاعرك منهك.. قد إيه من وجودك ناقص.. فيه حاجة أكثر خطورة .. طول ما جواك فيه موقف (في الحقيقة مواقف) غير منتهي.. فانت بتشوف العالم والأحداث والأشخاص من خلاله.. وبتحاول تحله بس مع الناس الغلط.. اللي هما مالهومش أي علاقة بالحكاية الأصلية.. بس وقع عليهم اختيار عقلك الباطن علشان يلعبوا أدوار انت راسمهالهم في سيناريو بائس ويائس ومتكرر للحل والإنهاء..كام مرة كان فيه بينك وبين مديرك أو رئيسك في الشغل حوار حاد واضطريت تكتم الكلام جواك؟ إمتى آخر مرة كان فيه جواك مشاعر غضب ناحية حد وما عبرتش عنها؟ طيب فاكر لما كلامك اتخنق في صدرك وانت واقف قدام أول


 واحدة حبيتها وهي بتقولك أسفة ما ينفعش.. ارجع لورا شوية.. كام كلمة اتحشرت في حلقك قدام المدرس أو المدرسة وهو بيهينك بأي شكل؟ فاكر إحساسك اللي قفلت عليه وانت باصص في عينين أبوك وهو بيعنفك، وما كنتش تملك وقتها غير الدموع وقلة الحيلة؟ أو أختك وهي بتاخد لعبتك وتلعب بيها وانت متغاظ وهاتطق؟ طيب فاكر الكلام اللي كنت عاوز تقوله لوالدتك قبل ما تموت وما جاتش ليك


 الفرصة تقوله؟ تفتكر الكلام ده راح؟ تفتكر المشاعردي اختفت؟ تفتكر


 المواقف دي اتحلت؟ أحب أقولك..لأ.. الكلام ده لسه موجود جواك.. والمشاعر دي ما زالت مدفونة في أعمق أعماق وعيك.. والمواقف دي متخزنة داخلك بكل


 تفاصيلها في صورة ما يسمى بـ (المواقف غير المنتهية).. كل واحد فينا جواه متحف.. أه متحف.. متحف من الآثار القديمة اللي انتهى وقتها بس هي لسه عايشة.. وما زالت محتفظة بقيمتها وتأثيرها حتى الآن.. مجموعة من التماثيل هناك ... بعض أفلام الأبيض وأسود هنا.. شوية لوحات هناك.. تحف فنية هنا.. المتحف ده متحف حي وقائم ومؤثر في كليعني مثلا، فجأة وبدون مقدمات تحس إنك غضبان ومتعصب ومش طايق صاحبك.. وفي الحقيقة دي مشاعر باقية من موقف غير منتهي مع أخوك.. فجأة وبدون مقدمات تبقى خايف ومرعوب من أستاذك أو رئيسك في الشغل أو حتى الكاشيير في السوبرماركت، ويكون ده رد فعل قديم من موقف غير منتهي مع أبوك.. فجأة وبدون مقدمات تفهم أي اتنين بيتكلموا مع بعض على إنهم بيتكلموا عليك.. أو تشوف أي واحدة بتبصلك على إنها دايبة في حبك..أو..أو..أو.. راجع كده علاقاتك وتفاصيلها. . راجع أفعالك وردود أفعالك.. راجع مشاعرك وأفكارك وتصرفاتك.. واكتشف كمية المواقف غير المنتهية المخزونة جواك.. وإزاى وامتى ومع مين.. المواقف غير المنتهية عاملة زي الثقوب السوداء.. بتستهلك طاقتك ووقتك وجهدك ومشاعرك وأفكارك.. وتسيبك مهلهل مشتت بتدور على حاجة انت مش عارفها في مكان أول مرة تروحه.. المواقف غير المنتهية هي أحجار ثقيلة مربوطة في رجلك تحذ من حركتك وحريتك وإمكاناتك.. زي القيود في الإيدين.. والغمامة على العين.. وسدادات الودان.. تخليك محبوس في عالمك الداخلي بأشخاصه القدامي وأحداثه البالية.. وتحرمك من الحركة.. والمرونة. والرؤية.. وتجديد الاستقبال..طيب نعمل إيه بقى؟ شوف يا سيدي.. قدامك حل من خمسة..


وده الحل الأول.. إنك ترجع بالزمن للموقف الأصلي.. وتحله.. و طبعا.. في ظل أبعاد الزمن الخطية اللي نعرفها حاليا.. مستحيل..


الحل الثاني.. إنك تفضل زي ما انت.. مسجون في الماضي.. وداير في ساقية الحاضر وانت مغمي عنيك.. بتحاول تحل مع الناس الغلط.. وتحاول تنهي في الوقت الضايع.. وده حل مرضي مش هايعمل أي حاجة غير إنه يزيدك عمى وصمم وأسى.


الحل التالت بقى.. إنك تروح بالفعل للشخص اللي بينك وبينه موقف غير منتهي.. وتنهيه نهاية مختلفة.. يعني تقول اللي كان نفسك تقوله.. أو تعمل اللي كان نفسك تعمله.. وتخليك جدع ومسئول وشجاع.. وغالبا وقتها هاتكتشف إن معظم مخاوفك كانت سراب.. ومعظم تصوراتك كانت غير حقيقية.. وكل حاجة هاتاخد حجمها.. وتبدأ من أول وجديد..


طيب ولو الطرف التاني مش موجود.. مش متاح.. مسافر.. میت.. مريض.. تعمل إيه؟ساعتها تعمل طريقة علاجية بسيطة جدا بيستخدمها المعالجين بالسيكودراما.. تجيب كرسي فاضي.. وتتخيل عليه الشخص اللي بينك وبينه موقف غير منتهي.. تحطه قدامك كما هو بصوته وصورته وتفاصيله (وقت الموقف).. وتبدأ تتكلم (طبعا ده في وجود معالج نفسي).. آه.. تفرغ كل اللي متخزن جواك.. كل اللي مقدرتش تقوله.. كل اللي كتمته.. كل اللي ما جاتش الفرصة إنك تعبر عنه.. عاوز تصرخ.. اصرخ.. عاوز تشتم.. اشتم.. عاوز تودعه.. عاوز تقوله إنك بتحبه.. عاوز حتى تسلم عليه.. اعمل ده.. ببساطة.. ما تخليش حاجة باقية جواك.. حل.. وانهي.. وكفاية لغاية كده.


أما الحل الرابع.. هو إنك تسامح.. وتعفو.. وتصفح.. وتكون من العافين عن الناس.. مش بس من الكاظمين الغيظ، وطبعا ده محتاج درجة عالية من النمو النفسي.. ومنزلة مرتفعة من السلام الداخلي.. ومش كل الناس تقدر على ده.. وبعض الناس تقدر تعمله بس بعد ما تكون نفذت الحل التالت.. علشان ساعتها يكون بالفعل (عفو عند المقدرة)..


الحل الخامس والأخير.. هو إنك تكون من المحسنين.. يعني مش بس تعفو وتصفح.. لا.. كمان تحسن لمن أساء إليك الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).. ودي أعلى درجات النضج النفسي.. وأسمى درجات السلام الروحاني.. وبرضه مش كل الناس تقدر تعمل ده.. وبعض الناس بيعملوه بعد تنفيذ الحل الثالث والرابع..هام.. نويت على إيه؟!


 تفضل زي ما انت؟ في حواراتك الداخلية اللي مش بتخلص.. ولا هاتخلص.. غير لما تخلص عليك..


 تفضل في مواقفك غير المنتهية؟ اللي بتاكل منك زي النار في الهشيم.. وتعيشك غير مكتمل.. وتحرمك من أجمل ما فيك.. تفضل في سجنك القديم العتيق؟ سجن الماضي بأشخاصه وأحداثه وأماكنه.. تفضل في عالمك الداخلي المغلق على نفسك؟ واللي مش بتسمع ولا تشوف ولا تحس فيه غير أسطوانات مشروخة مكررة.. ومشاهد قديمة بالية..


 ولا تبدأ.. وتحل.. وتنهي.. هنا.. ودلوقت..                                                                                                                    من كتاب "الخروج عن النص"                                                                                                                            دمتم طيبين والسلام.    

0 التعليقات:

إرسال تعليق